تعيش تجارة القمح الفرنسية واحدة من أكثر مراحلها تعقيدًا، بعدما فقدت باريس أحد أهم زبائنها في إفريقيا، إثر قرار الجزائر مقاطعة القمح الفرنسي على خلفية الأزمة السياسية القائمة بين البلدين. هذا القرار، الذي شكل ضربة قوية للمصدرين الفرنسيين، دفع باريس إلى البحث عن أسواق بديلة لإنقاذ جزء من محصولها، لتبرز مصر كمنقذ جزئي عبر صفقات جديدة لاستيراد القمح الفرنسي.
فقد كشفت بيانات مجموعة بورصات لندن، أن سفينة محمّلة بنحو 60 ألف طن من القمح غادرت ميناء دانكيرك الفرنسي الأحد متجهة إلى مصر، في خطوة تأتي بعد أسابيع من تراجع الطلب الجزائري، الذي كان يمثل سوقًا تقليدية للقمح الفرنسي في شمال إفريقيا.
وكان جهاز “مستقبل مصر”، المكلّف بعمليات شراء الحبوب، قد أعلن في أغسطس الماضي عن إبرام صفقات لاستيراد ما لا يقل عن 200 ألف طن من القمح الفرنسي، إلى جانب شحنات من أوكرانيا ورومانيا بكمية إجمالية تبلغ نحو 30 ألف طن، ما يعكس رغبة القاهرة في تنويع مصادر التوريد وتأمين احتياجاتها الاستراتيجية من هذه المادة الحيوية. وتشير التقديرات إلى أن مصر حجزت سبع سفن كبيرة محمّلة بالقمح الفرنسي، تتجاوز حمولتها 400 ألف طن، خلال الأسبوعين الماضيين، في مؤشر على توسّع التعاون التجاري بين البلدين.
ويأتي هذا التحول في وقت تعمل فيه مصر، أحد أكبر مستوردي القمح في العالم، على مواجهة المخاطر الجيوسياسية المتزايدة وعدم استقرار الإمدادات من منطقة البحر الأسود، خصوصًا من روسيا وأوكرانيا. كما يندرج ضمن استراتيجية جديدة لتقوية علاقاتها التجارية المباشرة مع كبار المنتجين العالميين، في إطار مهام جهاز “مستقبل مصر للتنمية المستدامة” الذي يشرف على استيراد السلع الرئيسية منذ ديسمبر الماضي.
ورغم هذه التحديات، أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في تصريحات سابقة أن احتياطات بلاده من السلع الأساسية، وعلى رأسها القمح، تغطي أكثر من ستة أشهر، ما يتيح لمصر هامش مناورة مريحًا في إدارة تعاقداتها الخارجية.