في وقتٍ تتسارع فيه خطى الجزائر نحو تحديث قطاعها المنجمي وتحويل ثرواتها الطبيعية إلى قيمة مضافة، تتجه الأنظار نحو مشروع شراكةٍ واعد يجمع مجمع “سونارام” والشركة الصينية “CPTDC”، الذراع الهندسي لمؤسسة النفط الوطنية الصينية CNPC.
لقاءٌ جديد أعاد رسم ملامح التعاون بين الطرفين، مع التركيز على إدماج التكنولوجيا الصينية المتقدمة في معالجة خام الحديد عالي الفوسفور، خاصة في منجم غار جبيلات العملاق، في خطوةٍ تعكس إرادة الجزائر في تجاوز التحديات التقنية وبلوغ المعايير العالمية لجودة الحديد الموجه لصناعات الصلب والتصدير.
التكنولوجيا الصينية في خدمة مشروع غار جبيلات
تسعى الجزائر من خلال شراكتها الجديدة مع الشركة الصينية CPTDC إلى إدماج تقنيات متطورة في معالجة خام الحديد، خصوصًا ما يتعلق بخفض نسبة الفوسفور في الخام الأوليتي المستخرج من منجم غار جبيلات، أحد أكبر المناجم في العالم من حيث الاحتياطي.
وتُعد هذه المرحلة التقنية من أبرز التحديات التي تواجه المشروع، إذ يشترط السوق الدولي والمعايير الصناعية في صناعة الحديد والصلب مستويات منخفضة جدا من الفوسفور، لضمان جودة المنتوج النهائي وقدرته على المنافسة في الأسواق العالمية.
وقد استعرض الوفد الصيني خلال اللقاء التجارب الناجحة للشركة في عدد من الدول التي واجهت التحدي نفسه، مبرزًا الحلول التكنولوجية والرقمية التي طورتها الشركة لرفع كفاءة المعالجة وتحسين جودة الخام.
ويُتوقع أن تُسهم هذه المقاربة في تسريع وتيرة استغلال المنجم ورفع قدراته الإنتاجية وفقًا للمعايير الدولية، مما يعزز موقع الجزائر كمصدر موثوق في سوق الحديد العالمي.
شراكة علمية لتسريع معالجة خام الحديد
ويمثل الاتفاق على تنظيم اجتماعات علمية وتقنية بين خبراء سونارم وCPTDC خطوة عملية نحو تطوير حلول مبتكرة لتقليص نسبة الفوسفور في خام غار جبيلات، بما يتيح تسريع وتيرة الأشغال وتحويل التحديات التقنية إلى فرص للتطوير.
هذه اللقاءات، التي ستُجرى عبر تقنيات التحاضر عن بعد، ستسمح بتبادل الخبرات في الوقت الحقيقي، وتقييم التجارب الميدانية، ووضع خارطة طريق دقيقة لتطبيق الحلول المقترحة على أرض الواقع.
كما يُنتظر أن تثمر هذه الشراكة عن نقلٍ فعلي للمعرفة والتكنولوجيا إلى الكفاءات الجزائرية، بما يُرسّخ استقلالية البلاد في إدارة المشاريع المنجمية الكبرى مستقبلاً.
ويُراهن الجانبان على أن تشكل هذه الاجتماعات قاعدة لإرساء تعاونٍ طويل المدى، يتوّج بتوقيع مذكرة تعاون رسمية خلال الأسابيع المقبلة، ما يعكس الثقة المتبادلة والإرادة المشتركة لتجسيد شراكة استراتيجية تتجاوز الجانب التقني إلى بناء نموذج تنموي متكامل في قطاع المناجم.
نحو حلول رقمية ترفع كفاءة الاستغلال المنجمي
وإلى جانب الشق التقني المرتبط بخفض نسبة الفوسفور، تطرّق اللقاء بين الجانبين إلى إمكانية إدماج حلول رقمية متقدمة في القطاع المنجمي الجزائري، تُمكّن من تحسين عمليات الاستكشاف والمعالجة والمراقبة.
الشركة الصينية CPTDC تمتلك خبرة واسعة في رقمنة سلاسل الإنتاج والتسيير، عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة لتوقع الأعطال، ورفع المردودية، وتقليص الكلفة التشغيلية.
ويُنتظر أن تُحدث هذه المقاربة الرقمية نقلة نوعية في أداء سونارم، من خلال تعزيز الشفافية في جمع البيانات، وتوفير لوحات قيادة دقيقة تساعد في اتخاذ القرار السريع، وربط وحدات الإنتاج بالمراكز التقنية عبر أنظمة مراقبة ذكية.
ومع التحول الرقمي، تسعى الجزائر إلى ترسيخ نموذج منجمي حديث يتماشى مع المعايير العالمية، ويرتكز على الابتكار والتكنولوجيا كرافعتين أساسيتين لاستدامة النمو وتعظيم القيمة المضافة للثروات الوطنية.
نحو شراكة استراتيجية ترسم ملامح الجيل الجديد من المناجم
وتتويجًا لهذه المباحثات، اتفق الطرفان على عقد جلسات تقنية عبر التحاضر المرئي بين خبراء المؤسستين، لمناقشة التفاصيل العلمية والعملية المرتبطة بخفض نسبة الفوسفور وتطوير الحلول الرقمية، في خطوة تؤسس لتعاونٍ طويل المدى قائم على نقل الخبرة وتبادل المعرفة.
ومن المنتظر أن تُتوّج هذه الجهود خلال الأسابيع المقبلة بتوقيع مذكرة تعاون رسمية بحضور الرئيس المدير العام للشركة الأم الصينية، ما سيمنح هذه الشراكة بعدًا استراتيجيًا جديدًا، ويعزز حضور التكنولوجيا الصينية في قطاع المناجم الجزائري.
بهذا المسار المتكامل، تُثبت الجزائر أنها تتعامل مع مشاريعها المنجمية وفق رؤية واقعية واستباقية، تقوم على التكامل بين الابتكار التقني والشراكة الدولية، بما يضمن تطوير الثروات الوطنية بأحدث الوسائل، وتحويلها إلى قيمة اقتصادية حقيقية تُسهم في تنويع مصادر الدخل الوطني وتعزيز مكانة البلاد ضمن الفاعلين الجدد في الصناعات المنجمية العالمية.