تحوّلت صناعة الخشب والأثاث في الجزائر خلال السنوات الأخيرة إلى واحدة من أنجح نماذج الانتقال من الاستيراد إلى الإنتاج المحلي، وفق ما أكده المشاركون في الطبعة الرابعة من صالون Algeria Woodtech المنعقدة بقصر المعارض «صافكس» بمشاركة نحو 120 فاعلاً جزائرياً وأجنبياً في القطاع.
ويأتي هذا الموعد في ظرف تُجمع فيه الهيئات المهنية على أن الشعبة نجحت في قلب المعادلة كلياً، بعدما تراجع حجم استيراد الأثاث من مستويات ضخمة إلى أرقام هامشية، دون أن يظهر أي نقص في السوق الوطنية.
وبحسب رئيس منظمة التجارة والاستثمار الاجتماعي (OACIS)، جابر بن سديرة، فإن الجزائر كانت تستورد قبل تدخل السلطات ما يقارب 700 مليون دولار سنوياً من الأثاث الجاهز أو نصف الجاهز. غير أن هذه الفاتورة انخفضت اليوم إلى 30 و40 مليون دولار فقط، أي ما يعادل تراجعاً يفوق 90% خلال فترة قصيرة. ويُعد هذا التحول دليلاً – بحسبه – على أن الوحدات الإنتاجية الوطنية نجحت في تعويض المنتجات المستوردة بالكامل، مع استمرار توفر الأثاث في السوق دون تسجيل أي ندرة أو ضغط على الطلب.
كما يشير مسؤولو القطاع إلى أن منع استيراد الأثاث دفع العديد من المتعاملين إلى الاستثمار في مصانع محلية، ما ساهم في خلق سلسلة إنتاج وطنية كاملة قادرة على المنافسة.
وفي موازاة هذا النجاح، يدفع الفاعلون نحو إعادة تنظيم استيراد المواد الأولية عبر «الاستيراد الجماعي» لتقليص التكلفة بما يصل إلى 50%. وتقوم الفكرة على إنشاء «مراكز شراء» تستورد الخشب بكميات كبيرة عبر سفن كاملة بدلاً من الحاويات الفردية، مما قد يوفر للقطاع ما لا يقل عن 45 مليون دولار في مصاريف النقل، إضافة إلى إمكانية تخفيض 100 مليون دولار أخرى في سعر المادة الأولية عند توحيد عمليات الشراء.
كما يجري التوجه نحو تنويع مورّدي الخشب خارج شمال أوروبا، في انتظار اتفاقيات محتملة مع فيتنام والبرازيل والأرجنتين، إلى جانب توسيع التعاملات داخل إفريقيا التي تعرض – وفق المتعاملين – خشباً عالي الجودة، فضلاً عن كونها «السوق الطبيعية» لتصدير الأثاث الجزائري، حيث يرتقب تنظيم معرض متخصص في السنغال خلال ديسمبر المقبل.
ويعكس هذا التحول العميق واقعاً جديداً في شعبة الخشب: إنتاج محلي قوي، تراجع شبه كلي في الاستيراد، وتطلعات متزايدة نحو التصدير وتنظيم أفضل لسلاسل التزوّد، ما يجعل القطاع واحداً من القصص الاقتصادية البارزة في الجزائر خلال السنوات الأخيرة.



