مع اقتراب الجزائر من بلوغ هدف استقبال 4 ملايين سائح مع نهاية عام 2025، يتجه الاهتمام هذه المرة إلى البنية التحتية التي ستواجه هذا التدفق غير المسبوق.
فبعد الإصلاحات الإدارية والحملات الترويجية والرقمنة التي أعادت الوجهة الجزائرية إلى واجهة السياحة الدولية، يطرح السؤال نفسه بإلحاح: هل مطارات البلاد وفنادقها ووسائل النقل جاهزة فعلا لتقديم تجربة سياحية متكاملة تواكب الطموح المعلن وتمنح الزائر صورة إيجابية عن الجزائر كوجهة واعدة؟
المطارات… بوابة الجزائر إلى العالم
تشكل المطارات الواجهة الأولى التي تعكس صورة الجزائر في أعين الزوار، ومع ارتفاع عدد الرحلات الدولية، تبدو هذه المنشآت أمام اختبار حقيقي لقدرتها على الاستجابة لتدفق متزايد من المسافرين. فبين مطار الجزائر الدولي ومطارات وهران وقسنطينة وتمنراست، تمتلك البلاد شبكة واسعة، لكن السؤال يبقى: هل هذه المنشآت مؤهلة لتقديم خدمات تليق ببلد يطمح لأن يكون وجهة سياحية إقليمية؟
رغم الاستثمارات التي وجهت في السنوات الأخيرة لتحديث بعض المطارات الكبرى، إلا أن تحديات مثل الاكتظاظ، طول الإجراءات، ونقص الخدمات المرافقة ما تزال مطروحة بقوة. فالسائح الذي يقضي وقتا طويلا في طوابير التفتيش أو يعاني من نقص المرافق الأساسية قد يغادر بانطباع سلبي، مهما كان جمال الوجهة السياحية التي جاء من أجلها.
الرهان الآن يتمثل في تحويل المطارات الجزائرية إلى فضاءات ذكية وسلسة، تعتمد على الرقمنة، مع تحسين مستوى الاستقبال والخدمات اللوجستية. نجاح هذه الخطوة سيكون عاملا حاسما في تعزيز صورة الجزائر كبلد قادر على استقبال 4 ملايين سائح بكفاءة، ويمنح انطباعا أوليا إيجابيا يجعل الزائر متحمسا لاكتشاف المزيد.
الفنادق… اختبار الطاقة الاستيعابية وجودة الخدمة
كما لا تقل الفنادق أهمية عن المطارات في رسم صورة الوجهة السياحية، فهي المساحة التي يقضي فيها الزائر معظم وقته. ومع ارتفاع أعداد السياح نحو 4 ملايين متوقعين، تبدو الطاقة الاستيعابية الفندقية في الجزائر أمام تحدٍّ صعب، خاصة وأن الطلب يتزايد بوتيرة أسرع من نمو العرض.
رغم الجهود المبذولة في تحديث بعض الهياكل الفندقية الكبرى في العاصمة ووهران وعنابة، إلا أن النقص يبقى واضحا في فئات الإيواء المتوسطة والمنتجعات السياحية، خصوصا في المناطق الساحلية والصحراوية. هذه الفجوة قد تجعل بعض السياح يواجهون صعوبة في إيجاد إقامة تناسب إمكانياتهم أو توقعاتهم، ما يؤثر على رضاهم العام عن التجربة.
الجودة بدورها تطرح تساؤلات حادة، إذ يبحث السائح العصري عن خدمات ذكية، اتصال بالإنترنت عالي الجودة، ونظافة ومعايير راحة تضاهي ما يجده في وجهات مجاورة مثل تونس ومصر. لذلك فإن نجاح الجزائر في بلوغ هدف 4 ملايين سائح سيكون مرهونا بقدرتها على رفع مستوى خدماتها الفندقية وتوسيع طاقتها الاستيعابية، بما يجعلها قادرة على استبقاء الزوار وتشجيعهم على العودة.
النقل والطرق… حلقة أساسية في التجربة السياحية
ولا تكتمل تجربة السائح في أي بلد من دون شبكة نقل فعّالة وطرق مهيأة تتيح له التنقل بسهولة بين الوجهات. وفي بلد واسع المساحة مثل الجزائر، تتضاعف أهمية هذه الحلقة، حيث يشكل طول المسافات وتنوع التضاريس تحديا أساسيا أمام الزوار الذين يرغبون في الجمع بين البحر والصحراء والجبل في رحلة واحدة.
مشاريع كبرى مثل الطريق السيار شرق–غرب والطريق العابر للصحراء منحت دفعة قوية للبنية التحتية الطرقية، غير أن نقص الخدمات المرافقة مثل محطات الاستراحة، ومراكز المعلومات السياحية يظل عائقا أمام راحة الزائر. كما أن بعض المسالك المؤدية إلى مناطق طبيعية أو مواقع أثرية ما تزال تعاني من الإهمال أو ضعف الصيانة، وهو ما قد يحد من جاذبيتها رغم قيمتها السياحية الكبيرة.
أما النقل الداخلي، سواء عبر القطارات أو الحافلات أو الرحلات الجوية الداخلية، فهو بحاجة إلى تحسين على مستوى المواعيد والدقة ونوعية الخدمات. فالسائح الذي يخطط لاكتشاف الجنوب أو التنقل بين الولايات الساحلية يتوقع خدمات مرنة وموثوقة، وهذا ما يجعل تطوير منظومة النقل ضرورة ملحة لإنجاح تجربة سياحية متكاملة.
بين الطموح والجاهزية… اختبار حاسم لقطاع السياحة
تحقيق هدف استقبال 4 ملايين سائح يُقاس بعدد الوافدين، وبمدى رضاهم عن التجربة السياحية ككل. فالسائح الذي يزور الجزائر لأول مرة سيقيّمها من خلال سلسلة مترابطة تبدأ بالمطار والفندق وتستمر عبر وسائل النقل والمرافق السياحية. أي خلل في هذه السلسلة قد ينعكس سلبا على الانطباع العام، حتى وإن كانت الوجهات الطبيعية والثقافية ساحرة.
الوزارة تراهن على الإصلاحات الإدارية والحملات الترويجية الرقمية، غير أن هذه الخطوات تحتاج إلى قاعدة مادية صلبة. فالتحديات ما تزال قائمة: رفع الطاقة الفندقية، تحديث المطارات، تحسين النقل، والاستثمار في خدمات ذكية تلبي تطلعات الجيل الجديد من السياح. إذا لم تتم معالجة هذه النقاط، فإن الطموح قد يصطدم بحدود الواقع.
ومع ذلك، يبقى الأمل قائما في أن تشكّل هذه المرحلة نقطة تحول حقيقية إذا تضافرت جهود الدولة والقطاع الخاص. فالجزائر تملك مؤهلات طبيعية وثقافية استثنائية، وما ينقصها هو استكمال منظومة الاستقبال. نجاح اختبار 2025 سيكون بمثابة شهادة عبور نحو مرحلة جديدة تجعل من الجزائر فاعلا بارزا في السياحة الإقليمية والمتوسطية.