تشهد سوق العجلات المطاطية في الجزائر حركية استثنائية بعد أن باشرت السلطات المختصة تحقيقًا واسعًا للحد من المضاربة وضمان وفرة التموين، في وقت يواصل فيه المنتجون المحليون وعلى رأسهم مجمع “إيريس” تعزيز قدراتهم الصناعية لتلبية الطلب الوطني.
ووفق ما نشره موقع الشروق أونلاين، باشرت مديريات التجارة الداخلية وضبط السوق عبر مختلف ولايات الوطن تحقيقًا شاملًا في مسار توزيع العجلات المطاطية الخاصة بالمركبات الخفيفة، في خطوة تهدف إلى ضبط السوق وضمان التموين المنتظم بهذا المنتوج الحيوي. التحقيق يركز على تتبّع مسار العجلة منذ خروجها من عند المنتج أو المستورد إلى غاية وصولها إلى نقاط البيع، مع التدقيق في الأسعار المطبقة ومطابقتها مع المرجعية الرسمية.
كما يشمل التحقيق إلزامية إخراج جميع المخزونات المتوفرة لدى المستوردين والموزعين نحو السوق، مع منع أي محاولات لتخزينها أو رفع أسعارها بطرق غير قانونية. وتؤكد السلطات أن أي زيادة غير مبررة ستُصنّف ضمن خانة المضاربة، ما يستدعي تدخلًا صارمًا وردعًا قانونيًا.
وجاء هذا التحرك الرقابي بعد تلقي شكاوى عديدة من مواطنين حول ندرة بعض الأصناف وارتفاع أسعارها في نقاط بيع محددة، ما دفع أعوان التجارة إلى تكثيف عمليات التفتيش الميداني وتحرير محاضر متابعة بحق المتورطين في رفع الأسعار.
المنتجون المحليون يطمئنون السوق الوطنية
في السياق ذاته، أكد المنتجون المحليون، وعلى رأسهم مجمع “إيريس”، أن القدرات الإنتاجية الحالية للمجمع تناهز 4 ملايين عجلة سنويًا، تغطي حوالي 96 صنفًا مرجعيًا مختلفًا. هذه الطاقة الإنتاجية تضمن وفرة العرض في السوق، بما يعادل تقريبًا حجم الطلب الوطني السنوي من العجلات.
وأشار مسؤولو “إيريس” إلى أن المجمع وقّع اتفاقيات وتعهدات مع شبكة الموزعين لعدم رفع الأسعار، موضحين أن أي زيادة خارج علم المصنع تعتبر مضاربة صريحة، وأن المجمع لن يتسامح مع أي مخالفات وسيوقف التعامل مع المتورطين فيها.
هذا الموقف يعكس توجه الدولة نحو جعل الإنتاج المحلي هو الضامن الأساسي لاستقرار السوق خلال السنوات المقبلة، لا سيما في ظل تقلبات سوق الاستيراد وما يرافقه من ضغوط على احتياطي العملة الصعبة.
مشاريع صناعية جديدة لتعزيز الاكتفاء الذاتي
وتتبنى الجزائر سياسة تقوم على دعم المشاريع الصناعية الجديدة والتوسعات القائمة لضمان تأمين حاجيات السوق المحلية من العجلات المطاطية. ومن بين هذه المشاريع توسعة مصنع “إيريس” بسطيف، إلى جانب مشروع مصنع وهران الجديد، بالإضافة إلى مصنعين آخرين في كل من تقرت وعين مليلة بولاية أم البواقي.
هذه الاستثمارات الصناعية من شأنها مضاعفة الطاقة الإنتاجية الوطنية بشكل تدريجي، ما يفتح الطريق أمام تحقيق الاكتفاء الذاتي، بل والتحول إلى التصدير نحو أسواق خارجية. وتشير التقديرات الرسمية إلى أن القدرة الإجمالية للإنتاج المحلي قد تصل إلى 20 مليون وحدة سنويًا خلال السنوات المقبلة.
وبهذا التوجه، تسعى الجزائر إلى كسر التبعية للأسواق الخارجية، وتعزيز مكانتها كفاعل صناعي إقليمي قادر على تغطية احتياجاته المحلية والانفتاح على أسواق التصدير.
مشروع وهران… استثمار استراتيجي نحو التصدير
وفي خطوة نوعية، شهدت ولاية وهران نهاية شهر جويلية الماضي وضع حجر الأساس لمصنع ضخم لإنتاج العجلات المطاطية الخاصة بالمركبات الخفيفة والثقيلة. المشروع، الذي يتوقع أن يبدأ بطاقة إنتاجية أولية تبلغ 7 ملايين وحدة سنويًا مع آفاق توسع إلى 22 مليون وحدة، يمثل واحدًا من أبرز الاستثمارات الهيكلية في القطاع.
يُنظر إلى هذا المشروع على أنه استثمار استراتيجي بامتياز، نظرًا لدوره المرتقب في دعم مشاريع تركيب المركبات في الجزائر وتطوير شبكة المناولة الصناعية المحلية. كما أنه يعزز قدرة البلاد على التوجه نحو التصدير إلى الأسواق الإقليمية والدولية.
وبين تشديد الرقابة على السوق وتوسيع المشاريع الصناعية، تسعى الجزائر إلى خلق توازن بين حماية المستهلك من المضاربة وضمان استدامة التموين المحلي، مع فتح آفاق واسعة لتطوير صناعة العجلات كمجال استراتيجي ضمن المنظومة الصناعية الوطنية.