أظهر استطلاع حديث للمنتدى الاقتصادي العالمي أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتصدر توقعات النمو الاقتصادي العالمي لعام 2026، لتُصنّف كأقوى منطقة من حيث احتمالات الأداء الاقتصادي، وفقاً لآراء كبار الاقتصاديين المشاركين في المسح الذي شمل مختلف مناطق العالم. النتائج عكست ثقة متزايدة بقدرة اقتصادات المنطقة، وفي مقدمتها الجزائر والسعودية ومصر والمغرب، على تحقيق نمو مستدام مدعوم بالإصلاحات الهيكلية، والاستثمار في القطاعات الإنتاجية الجديدة، وتزايد الانفتاح على الشراكات الإقليمية والدولية.
وبيّن الاستطلاع أن 82% من الخبراء الذين شاركوا في التقييم يرون أن اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستسجل نمواً “قوياً” إلى “قوي جداً” خلال العام المقبل، وهي النسبة الأعلى عالمياً مقارنة ببقية المناطق، إذ عبّر 48% من المشاركين عن ثقتهم بأن النمو سيكون متوسطاً، بينما توقع 34% نمواً قوياً، و3% نمواً قوياً جداً، مقابل 14% فقط من المتشائمين الذين يرون احتمال تباطؤ محدود. هذه الأرقام تؤكد التحول الإيجابي في النظرة العالمية لاقتصادات المنطقة التي بدأت تتخلص تدريجياً من التبعية للنفط وتتجه نحو تنويع حقيقي في مصادر الدخل.
وتأتي هذه النظرة التفاؤلية انعكاساً لجملة من المؤشرات الواقعية، أبرزها الإصلاحات الاقتصادية التي أطلقتها حكومات المنطقة خلال الأعوام الأخيرة، مثل برامج التحول الاقتصادي في السعودية، والاستراتيجيات الصناعية في الجزائر والمغرب، والمشروعات الطاقوية الكبرى، إضافة إلى التحول نحو الرقمنة والطاقة النظيفة. كما أن استقرار الأسواق المالية، وارتفاع مستويات الاحتياطي النقدي في عدد من دول شمال إفريقيا، عزز من ثقة المؤسسات الدولية والمستثمرين في قدرة المنطقة على مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية.
وفي المقابل، أظهر الاستطلاع تفاوتاً في التوقعات بين مناطق أخرى من العالم، حيث جاءت جنوب آسيا في المرتبة الثانية بنسبة تفاؤل بلغت 80%، تليها شرق آسيا والباسيفيك بنسبة 70%، بينما سجلت أوروبا والولايات المتحدة أدنى نسب التفاؤل، مع اعتقاد أغلبية المشاركين بأن اقتصاداتها ستشهد نمواً ضعيفاً أو متوسطاً فقط، وهو ما يعكس استمرار تأثير الأزمات الجيوسياسية وارتفاع معدلات الفائدة على ديناميكية النمو في الدول المتقدمة.
ويرى محللون أن تصدر الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لهذه التوقعات يعكس بداية تحوّل استراتيجي في خريطة الاقتصاد العالمي، إذ باتت المنطقة لاعباً محورياً في مجالات الطاقة التقليدية والجديدة، وسوقاً واعدة للاستثمار في البنية التحتية والتصنيع والخدمات، إلى جانب موقعها الجغرافي الذي يجعلها حلقة وصل رئيسية بين إفريقيا وآسيا وأوروبا. كما أن تزايد التكامل الإقليمي من خلال مشاريع مشتركة وممرات اقتصادية كبرى يعزز فرص النمو المستدام، ما يجعل شمال إفريقيا تحديداً في موقع ريادي ضمن الدورة الاقتصادية العالمية المقبلة.