الجزائر ضمن فئة الدول ذات الدخل المرتفع.. هل جميع الجزائريين أصبحوا أغنياء؟

تحليل

صنّفت مجموعة البنك الدولي الجزائر ضمن فئة الدول ذات الدخل المرتفع لعام 2025، في خطوة أثارت الكثير من الاهتمام والتساؤلات حول دلالات هذا التصنيف ومعاييره وتبعاته.

ويأتي هذا الإعلان في إطار المراجعة السنوية التي يجريها البنك الدولي لتصنيف الدول وفقا لمستويات الدخل الوطني الإجمالي للفرد، بناء على بيانات دقيقة ترتكز على الحسابات القومية للناتج المحلي الإجمالي.

ويُعدّ انتقال الجزائر من فئة “الدخل المتوسط” إلى “الدخل المرتفع” بمثابة شهادة دولية على التحولات الاقتصادية الكبرى التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، خاصة في ظل سياسة تنويع الاقتصاد وتقليص الاعتماد على الريع الطاقوي.

هذا التصنيف لا يعني بالضرورة أن جميع الجزائريين أصبحوا أغنياء، وإنما يشير إلى أن متوسط الدخل القومي الإجمالي للفرد قد تجاوز العتبة المحددة من قبل البنك الدولي (وهي حوالي 4,500 دولار سنويا).

وقد جاء ذلك نتيجة مراجعة منهجية واسعة للحسابات الوطنية شملت إدخال تحسينات على كيفية قياس الإنتاج، خاصة في قطاعات مثل الإدارة العمومية والبحث والتطوير، التي لم تكن تُحسب بدقة في السابق. وهو ما يعني أن التحسن الظاهر لا يعود فقط إلى زيادة في الإنتاج أو الصادرات، وإنما أيضا إلى تبني معايير إحصائية أكثر تطورا تتماشى مع المقاييس الدولية.

ومن أبرز المؤشرات التي دعمت هذا التصنيف، إدماج مكونات جديدة في الحسابات الاقتصادية مثل نفقات البحث العلمي والتطوير، والتي أصبحت تُحتسب ضمن الاستثمارات بدل اعتبارها مجرد نفقات تشغيلية.

كما ساهم تحسين أدوات قياس الأداء في القطاع العام، وتوسيع نطاق احتساب القيمة المضافة للقطاعات غير النفطية، في إعطاء صورة أكثر واقعية لحجم الاقتصاد الوطني. وهذا يعكس في العمق تغيرا في النظرة الدولية إلى الاقتصاد الجزائري، الذي بات يُنظر إليه على أنه اقتصاد صاعد يمتلك مؤهلات للنمو المستدام.

ومع ذلك، فإن هذا التصنيف يطرح تحديات جديدة على الحكومة الجزائرية، لاسيما في ما يتعلق بضرورة تحسين العدالة الاجتماعية وضمان توزيع أكثر إنصافا للثروة. فارتفاع متوسط الدخل لا يلغي وجود فوارق اجتماعية صارخة، ولا يعكس بالضرورة تحسنا في مستوى معيشة الفئات الهشة، خصوصا في المناطق الداخلية والجنوبية.

وهنا تبرز أهمية مواصلة الإصلاحات الاقتصادية والمالية، ودعم القطاع الخاص، وتحفيز الاستثمارات المنتجة التي تخلق فرص عمل حقيقية وتقلص من التفاوت التنموي بين الولايات.

تصنيف الجزائر ضمن فئة “الدخل المرتفع” يعد إنجازا تقنيا واقتصاديا مهما، يعكس ثمار إصلاحات مؤسساتية وإحصائية عميقة، ويؤكد جدية الدولة في مراجعة آلياتها الاقتصادية. لكنه في الوقت ذاته دعوة صريحة إلى الانتقال من مؤشرات كمية إلى تحولات نوعية في الاقتصاد والمجتمع، بما يضمن ترجمة هذا الاعتراف الدولي إلى واقع ملموس يشعر به المواطن الجزائري في حياته اليومية، من حيث التشغيل، والسكن، والخدمات، والقدرة الشرائية.