تشير الأرقام الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، والتي جمعتها الجريدة الإلكترونية “سهم ميديا” المختصة في الاقتصاد، إلى أن معدل البطالة في المغرب قد بلغ 13.3% في عام 2024، مسجلًا بذلك أعلى مستوى له في السنوات الأخيرة.
هذا الارتفاع المستمر منذ عام 2020 يعكس تدهور سوق العمل في البلاد، وعجز السياسات الاقتصادية عن توفير حلول فعالة لاحتواء الأزمة. فمنذ خمس سنوات، تتزايد أعداد العاطلين عن العمل، ما يشير إلى وجود خلل هيكلي في الاقتصاد المغربي وعدم قدرة القطاعات المنتجة على خلق فرص شغل كافية لاستيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل.
2020: جائحة كورونا وتأثيرها على سوق العمل
في عام 2020، كان معدل البطالة عند 11.9%، وهو رقم مرتفع بالفعل لكنه كان يُعزى في جزء كبير منه إلى تداعيات جائحة كورونا التي أثرت على الاقتصاد العالمي، مما أدى إلى إغلاق العديد من الأنشطة التجارية، وتعطيل الاستثمارات، وتقليص فرص العمل.
وعلى الرغم من استئناف النشاط الاقتصادي بعد الجائحة، إلا أن القدرة على التعافي ظلت ضعيفة، خاصة مع استمرار هشاشة الاقتصاد المغربي وتبعيته لعوامل خارجية، مثل الأسواق الدولية والتقلبات المناخية التي ضربت القطاع الفلاحي، أحد أهم القطاعات المشغلة في البلاد.
2021: تعافي هش واستمرار البطالة في الارتفاع
مع حلول عام 2021، ارتفع معدل البطالة إلى 12.3%، وهو ما كان مؤشرًا على أن الأزمة لم تكن مجرد انعكاس للجائحة، وانما نتيجة لفشل سياسات التشغيل. ففي الوقت الذي كانت فيه الحكومات في بعض الدول تتبنى خططًا اقتصادية لتعزيز التوظيف وإعادة هيكلة سوق العمل، لم تشهد السياسات المغربية أي تحرك حقيقي نحو خلق فرص عمل مستدامة. بل إن الاقتصاد المغربي استمر في الاعتماد على القطاعات التقليدية التي لم تعد قادرة على استيعاب أعداد العاطلين المتزايدة، مما أدى إلى تفاقم البطالة في صفوف الشباب وخريجي الجامعات.
2022: إخفاق السياسات الحكومية في احتواء الأزمة
في عام 2022، واصل معدل البطالة ارتفاعه ليصل إلى 12.9%، متأثرًا بعدة عوامل، من بينها تباطؤ الاستثمارات، ضعف نجاعة البرامج الحكومية الموجهة للتشغيل، وغياب حلول حقيقية لدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة.
ورغم إطلاق بعض المبادرات إلا أن تأثيرها ظل محدودًا ولم يتمكن من تقديم حلول جذرية لامتصاص البطالة المتزايدة. كما أن غياب استراتيجية واضحة لتنويع الاقتصاد وزيادة الإنتاجية جعل من الصعب إحداث تغيير ملموس في هيكلة سوق العمل، حيث استمرت القطاعات الأساسية مثل السياحة والفلاحة في مواجهة تحديات بنيوية.
2023: التضخم وغلاء المعيشة يزيدان من حدة البطالة
في عام 2023، ارتفع معدل البطالة إلى 13%، وهو ما أكد أن الوضع أصبح أكثر تعقيدًا. فقد شهد هذا العام ارتفاعًا في معدلات التضخم وغلاء المعيشة، مما زاد من الضغوط على الطبقة المتوسطة والفقيرة.
كما أن ضعف القدرة الشرائية للمواطنين أدى إلى تراجع الطلب الداخلي، مما أثر سلبًا على خلق فرص العمل، حيث اضطرت العديد من الشركات إلى تقليص نفقاتها، بل وإغلاق بعض فروعها بسبب تراجع الأرباح.
ومع استمرار نفس السياسات الاقتصادية التي تعتمد على المراهنة على الاستثمارات الأجنبية دون تمكين الاقتصاد المحلي، أصبح سوق العمل المغربي أكثر انكماشًا، وزادت الهوة بين الفئات القادرة على إيجاد وظائف والفئات المهمشة التي تعاني من البطالة طويلة الأمد.
2024: معدل بطالة قياسي يعكس فشل الإصلاحات الاقتصادية
أما في عام 2024، فقد بلغ معدل البطالة 13.3%، وهو المستوى الأعلى خلال السنوات الأخيرة، ما يعكس فشل السياسات المعتمدة في وقف النزيف المستمر لسوق الشغل.
في الوقت الذي كان يُتوقع فيه أن تبدأ الحكومة في تنفيذ إصلاحات جذرية تعيد التوازن إلى الاقتصاد، استمرت الاختلالات الهيكلية، وتركزت الاستثمارات في قطاعات غير منتجة للوظائف، مما أدى إلى زيادة البطالة، خاصة بين الشباب والخريجين.
الوضع الحالي يعكس غياب رؤية استراتيجية حقيقية لمعالجة الأزمة، حيث لم تتمكن أي من المبادرات المعلنة من تحقيق نتائج ملموسة، فيما يظل الاقتصاد المغربي رهينة الأزمات الخارجية وضعف التخطيط الداخلي.
إن هذا التصاعد المستمر في معدل البطالة يدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل التشغيل في المغرب، وقدرة الاقتصاد المغربي على الصمود أمام التحديات القادمة. فبالاضافة الى البطالة أصبح المواطن المغربي يواجه ارتفاع تكاليف المعيشة، وغياب فرص التوظيف، وتدهور الخدمات الاجتماعية، مما يضع الحكومة أمام تحدٍ حقيقي لإعادة هيكلة الاقتصاد وبناء نموذج أكثر عدالة واستدامة.
ومع استمرار هذا الاتجاه، فإن الحلول الترقيعية لن تكون كافية، بل يتطلب الوضع إصلاحًا شاملاً لمنظومة التشغيل، وتعزيز الاستثمار المنتج، وإعادة النظر في الاستراتيجيات الاقتصادية التي أثبتت فشلها على مدى السنوات الماضية.