جبهة إعلامية وطنية… في الصفوف الأولى عندما تنادي الجزائر

افتتاحية سهم

يحلّ شهر ماي هذا العام في ظل ديناميكية جديدة يعرفها قطاع الإعلام الوطني، تزامناً مع تخليد اليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 ماي، وما يحمله من رمزية عالمية تدعو إلى التقييم والمساءلة والبناء. لكن خصوصية السياق الجزائري، الذي يشهد تصاعدًا ملحوظًا في حملات التشويه والدعاية الممنهجة، تجعل من هذا اليوم لحظة وعي جماعي تستدعي أن نكون على مستوى التحدي.

لقد عبّر وزير الاتصال، محمد مزيان، بوضوح غير مسبوق عن ضرورة تأسيس جبهة إعلامية موحدة، وأكد أن هذا المسعى بات ضرورة وطنية ملحّة فرضتها طبيعة التهديدات التي تواجهها الجزائر في الآونة الأخيرة.

فحملات التضليل والتشويه التي تستهدف الجزائر تحولت من مجرّد محاولات معزولة إلى استراتيجية ممنهجة تمس بصورة البلاد في الخارج، وتستهدف مواقفها السيادية والإنجازات التي تحققها داخليًا، سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.

أمام هذا الواقع، بات تشكيل جبهة إعلامية وطنية متراصة أمرًا حيويًا لصدّ هذه الهجمات، وتقديم صورة حقيقية ومتزنة عن الجزائر، تنبع من داخلها وتعكس نبض مؤسساتها ومجتمعها، بما يرسخ الوعي الجمعي ويصون السيادة الوطنية من الاستهداف الإعلامي الممنهج.

وانطلاقًا من هذا الوعي الجماعي المتنامي، لا يمكن لأي مؤسسة إعلامية جادة أن تبقى على الهامش في لحظة تتطلب من الجميع الاصطفاف في خندق واحد. فالمعركة الإعلامية اليوم لم تعد تقتصر على الرد، وإنما على المبادرة، وبناء رواية وطنية قادرة على الصمود والانتشار والتأثير.

وفي هذا السياق، لا يسعنا في “سهم ميديا” الا أن نعلن استعدادنا الكامل للانخراط الفعّال في هذه الجبهة الإعلامية الوطنية، انطلاقًا من موقعنا التخصصي كمنصة اقتصادية مستقلة، تضع في صلب رسالتها إبراز التحولات الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد الوطني، والنجاحات التي تتحقق في في مختلف الميادين الاقتصادية وغيرها من الملفات التي تشكل جوهر قوة الجزائر المستقبلية.

واذ نؤمن أن الدفاع عن صورة الوطن يكون بالأرقام، والمؤشرات، والوقائع المدعومة بالحجج المهنية لا بالشعارات فقط، فإننا في “سهم ميديا” نضع أنفسنا في واجهة هذه المهمة النبيلة، من خلال التزامنا بمحتوى اقتصادي احترافي، يقدّم الجزائر كما هي: بلد الفرص، والبدائل، والطموح السيادي في وجه الحملات الممنهجة.

ويظل الانخراط في الجبهة الإعلامية الوطنية بالنسبة لنا في “سهم ميديا” فعلًا نابعًا من قناعة راسخة لا تقبل المساومة: الدفاع عن الوطن واجب لا يُشترط له مقابل، ولا يُنتظر منه امتياز. إنه التزام أخلاقي قبل أن يكون مهنة، وموقف وطني قبل أن يكون خيارًا مهنيًا. لن نقف على الهامش حين تتعرض الجزائر لحملات تستهدف سيادتها ومواقفها، ولن نطلب إذنًا للقيام بواجب نعتبره جزءًا من شرف الانتماء. ففي زمن المعارك غير التقليدية، تصبح الكلمة سلاحًا، والموقف خط دفاع، والانخراط في هذه الجبهة مسؤولية نتحمّلها بوعي واعتزاز.

وإذا كنا نعلن عن استعدادنا الكامل للانخراط في هذه الجبهة الوطنية الإعلامية، فإننا نعلم يقينًا أننا لسنا وحدنا في هذا المسار. فالإجماع الذي لمسناه من خلال اللقاءات الجهوية، والتجاوب الواسع مع دعوة وزارة الاتصال، يؤكد أن روح الوطنية لا تزال متجذرة في وجدان الأسرة الإعلامية الجزائرية، وأن هناك استعدادًا جماعيًا صادقًا للوقوف صفًا واحدًا عندما يتعلق الأمر بالجزائر.

ولذلك، لا نشك لحظة واحدة في إخلاص ووطنية زملائنا في مختلف المؤسسات الإعلامية، على اختلاف توجهاتهم وخطوطهم التحريرية، لأن ما يجمعنا جميعًا هو هذا الحصن الكبير الذي اسمه الجزائر. قد نختلف في الأسلوب، أو في الزاوية التي ننظر منها، لكننا نتفق على أن الهجمات التي تستهدف وطننا لا تُواجه إلا بجبهة إعلامية موحّدة، لا مكان فيها للحسابات الضيقة أو التردد حين تنادي الجزائر.

غير أنّه من منظورنا في “سهم ميديا”، فإن نجاح الجبهة الإعلامية الوطنية لا يُقاس فقط بنوايا الانخراط أو التصريحات المعلنة. القياس يكون أيضا بمدى قدرة المؤسسات الإعلامية وصحفييها على التفرغ التام لهذه المهمة، وهو أمر يتطلب تركيزًا عاليًا وجهدًا مضاعفًا في بيئة مهنية مستقرة ومحفّزة.

هذا التركيز المنشود حتى يتحقق يستدعي تدخلًا فعّالًا من الدولة لتطهير القطاع الإعلامي من الاختلالات المتراكمة، ووضع أطر واضحة تحكم الأداء، وتمنح الصحفيين بيئة عمل تحترم كفاءتهم، وتوفر لهم الحماية القانونية، والتكوين المستمر، والوسائل الحديثة اللازمة لمواجهة تحديات الإعلام المعاصر.

كما أن المؤسسات الإعلامية، خاصة تلك التي تشتغل بإمكانات محدودة أو منعدمة تماما، تحتاج إلى دعم مالي ومعنوي شامل من الدولة، باعتباره استثمارًا في الأمن القومي ذاته. فالمؤسسة الإعلامية التي تقف في الصف الأول يجب أن تُعامل على هذا الأساس، وتحظى بكل ما يعزز استقلاليتها وقدرتها على أداء دورها الوطني في هذا الظرف الحساس.

لقد أثبتت اللقاءات الجهوية الأربع التي نظمتها وزارة الاتصال أن هناك وعيًا متزايدًا في أوساط الصحفيين والمؤسسات الإعلامية بضرورة بناء إعلام جزائري قوي قادر على الرد والمواجهة، وأيضًا في مواكبته لتحولات البلاد ومرافقة مسارها التنموي. فقد أكدت هذه المحطات أن اللحظة التاريخية التي تمر بها الجزائر تتطلب منّا جميعًا أن نرتقي بالرسالة الإعلامية إلى مستوى التحديات.

وإذا كانت هذه اللقاءات قد طرحت انشغالات حقيقية ومشروعة تعبّر عن واقع المهنة وتحدياتها، فإنها في المقابل فتحت الباب واسعًا أمام إصلاح جاد وواعٍ، يوازن بين حرية التعبير ومتطلبات السيادة، ويمنح للصحفي الجزائري فضاءً أوسع للمبادرة والمشاركة، دون أن يُغفل ضرورة احترام الثوابت الوطنية والمصالح العليا للدولة.

إننا اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة الاعتبار للإعلام الجزائري، ليكون أكثر تأثيرًا، وأكثر قدرة على البناء لا الهدم، وعلى المواجهة الواعية لا الانفعال المؤقت. ولعلّ تأسيس جبهة إعلامية وطنية موحدة ليس سوى الخطوة الأولى في مسار طويل، لكنه ضروري، نحو صحافة حرة، قوية، ومسؤولة… صحافة تكتب بحبر الانتماء، وتنحاز دومًا للحقيقة، وللجزائر.