عادت الجزائر والصومال إلى الواجهة من بوابة الاقتصاد، بعد توقيع سلسلة من الاتفاقيات النوعية التي من شأنها نقل التعاون بين البلدين إلى مستوى عملي واسع. فقد شكلت زيارة رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية، حسن شيخ محمود، إلى الجزائر محطة اقتصادية بارزة، تخللتها تفاهمات تمتد من التعليم العالي إلى الطاقة والفلاحة والصيد البحري، في خطوة تعكس رغبة واضحة في بناء شراكة تنموية متوازنة تخدم مصالح الطرفين.
وجاءت الاتفاقيات في مقدمة نتائج الزيارة، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم وبرنامج تنفيذي بين وزارتي التعليم العالي في البلدين، يهدف إلى دعم التبادل العلمي وتكوين الكفاءات الصومالية على مدى السنوات 2026 – 2029. كما شملت التفاهمات اتفاقًا في مجال الفلاحة والصيد البحري، وهو قطاع يعتبر محوريًا لاقتصاد الصومال الذي يبحث عن إعادة بناء سلاسل الإنتاج الزراعي وتطوير نشاطاته البحرية. وفي السياق ذاته، جرى توقيع اتفاق يتعلق بالصحة الحيوانية بما يعزز قدرات الرقابة البيطرية ويفتح الطريق أمام تعاون أوسع في مجالات الأمن الصحي والغذائي.
أما الاتفاق الأبرز فكان في قطاعات النفط والغاز والتعدين، حيث يمهّد هذا المسار لتعاون استراتيجي طويل المدى، بالنظر إلى المؤهلات الطبيعية التي يمتلكها الصومال والخبرة التي راكمتها الجزائر في مجالات الاستكشاف وتطوير الصناعات المنجمية. كما اتفق الجانبان على إعفاء حاملي الجوازات الدبلوماسية من التأشيرة، بما يسهل المتابعة المباشرة لمشاريع التعاون ويوفر أرضية عملية لمواصلة التنسيق.
وفي الجانب السياسي من الزيارة، عبّر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون عن “بالغ ارتياحه لما أفضت إليه المحادثات”، مؤكدًا توافق البلدين بشأن دعم الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه وإقامة دولته المستقلة. كما أشار الرئيس إلى تطابق الرؤى حول الحل السياسي في ليبيا وضرورة وقف التدخلات الأجنبية في السودان، إضافة إلى مناقشة مستجدات منطقة الساحل الإفريقي. من جهته، أشاد الرئيس الصومالي بدور الجزائر في “تعزيز السلام والعدالة والتضامن الإفريقي”، مؤكدًا أن بلاده تتطلع إلى “تعميق شراكتها الاستراتيجية مع الجزائر في مختلف القطاعات”.
وتم الاتفاق خلال الزيارة على إنشاء لجنة وزارية مشتركة تتولى متابعة تنفيذ الاتفاقيات واستكشاف فرص جديدة للتعاون، بما يمنح الشراكة الجزائرية–الصومالية بعدًا مؤسسيًا واضحًا. ومع هذا الزخم الاقتصادي والسياسي، تبدو علاقات البلدين مقبلة على مرحلة جديدة من التعاون العملي في إفريقيا الشرقية، بما يعيد رسم حضور الجزائر في المنطقة ويمنح الصومال دعمًا نوعيًا على طريق إعادة بناء مؤسساته وقدراته التنموية.



