التحويل الحكومي الأخير برئاسة الوزير الأول الجديد سيفي غريب هو خطوة تعكس إصرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون على جعل الاقتصاد الوطني أولوية قصوى. فالتعليمات الرئاسية جاءت واضحة بضرورة “خدمة المواطن أولا والدفع بالاقتصاد نحو المراتب التي تليق بالجزائر”، وهو ما يضع الأسماء الجديدة في الحكومة أمام اختبار حقيقي: كيف يمكن ترجمة هذه التوجيهات إلى إصلاحات ملموسة تمنح الاقتصاد جرعة قوية وتعزز ثقة المواطن؟
تضع المرحلة المقبلة الوزراء الجدد في قطاعات المالية، التجارة، والصناعة أمام مسؤولية كبرى، تتمثل في ضبط السوق الوطنية وتحقيق استقرار الأسعار وسط تقلبات إقليمية ودولية. فالمطلوب معالجة الأزمات الظرفية وبناء رؤية مستدامة تعزز صمود الاقتصاد.
كما يُنتظر من هؤلاء المسؤولين إطلاق آليات أكثر شفافية لجذب الاستثمارات الأجنبية والوطنية على حد سواء، وفتح الباب أمام المبادرات الاقتصادية الخاصة، بما يضمن تنويع مصادر الدخل وتخفيف الاعتماد المفرط على المحروقات.
وسيكون نجاح هذا الفريق مرهونا بمدى قدرته على الانتقال من الخطابات السياسية إلى مؤشرات رقمية ملموسة، سواء في زيادة نسب النمو، رفع حجم الصادرات غير النفطية، أو تحسين مناخ الأعمال.
الطاقات والمناجم… ملفات ثقيلة تنتظر الحسم
ويُنظر إلى الأسماء الجديدة في قطاع الطاقة والمناجم باعتبارها ركيزة أساسية في دفع عجلة التنمية، خاصة وأن الجزائر تراهن على استغلال مواردها الطبيعية لتحويلها إلى قيمة مضافة حقيقية.
هذه المسؤوليات تفرض تسريع وتيرة مشاريع استراتيجية كاستغلال الليثيوم والفوسفات وتوسيع قاعدة الطاقات المتجددة، إلى جانب ضمان استغلال أمثل للمحروقات بما يتماشى مع التحولات العالمية في أسواق الطاقة.
نجاح هذا المسار سيحدد موقع الجزائر على الخارطة الاقتصادية الدولية، وهو ما يجعل أداء الوزراء الجدد عاملا أساسيا في ترسيخ حضورها كقوة طاقوية إقليمية قادرة على لعب دور مؤثر في التحولات العالمية.
البعد الاجتماعي وتحدي تعزيز ثقة المواطن
المسار الاقتصادي لا يكتمل دون بعد اجتماعي يلمسه المواطن مباشرة، وهو ما يجعل الأسماء في قطاعات التربية، الصحة، السكن، والعمل أمام تحديات واقعية تتعلق بالانشغالات اليومية للجزائريين.
فالرهان يتمثل في تحسين نوعية الخدمات الأساسية وتخفيف الضغط الاجتماعي، بما يعزز قناعة المواطن بأن الإصلاحات الاقتصادية تمس حياته اليومية في السكن والتعليم والصحة وفرص التشغيل.
وتعزيز ثقة المواطن ستبقى المقياس الأهم لنجاح أي إصلاح حكومي، لأن تحقيق النمو الاقتصادي وفقدان ثقة المجتمع لا يمكن أن يسيرا في اتجاه واحد. من هنا، فإن الأسماء الجديدة مدعوة لتجسيد سياسة متوازنة تجعل من المواطن المستفيد الأول من كل التحولات.