دولة عربية تُدخل فرنسا في أكبر أزمة في القطاع الزراعي منذ 20 عاما

تجارة

تتلقى فرنسا، أكبر منتج للقمح في الاتحاد الأوروبي، ضربة موجعة من الجزائر بعد أن تراجع الطلب الجزائري على القمح الفرنسي بشكل حاد، ما تسبب في تراكم غير مسبوق للمخزون وارتباك في السوق الزراعية الفرنسية لم تشهده منذ أكثر من عشرين عاما.

ووفقا لتقرير نشرته وكالة رويترز يوم 13 أكتوبر، فإن هذا التراجع المفاجئ في الطلب الخارجي، خصوصا من الجزائر والصين، يهدد بتسجيل فرنسا لأكبر فائض من القمح منذ مطلع الألفية، في وقت تعاني فيه من انخفاض الأسعار وتزايد المنافسة من دول أوروبا الشرقية.

المحللون في باريس لا يخفون قلقهم من أن الانكماش الحاد في الصادرات نحو الجزائر، الذي كان على مدى عقود أكبر زبون للقمح الفرنسي، أصبح الآن عنوان أزمة حقيقية في قطاع الحبوب الفرنسي. فبعد التوترات السياسية بين البلدين خلال العام الماضي، وما رافقها من تحولات في سياسة الاستيراد الجزائرية، وجد المزارعون الفرنسيون أنفسهم أمام فائض يقارب أربعة ملايين طن من القمح لا يجد طريقه إلى الأسواق التقليدية.

وأوضح الخبير في شركة تحليل السلع “أرغوس”، ماكسنس ديفيلييه، أن “المشكلة الكبرى هي أنه لا يوجد بديل فعلي للسوق الجزائرية”، مؤكدا أن فقدان هذا السوق التاريخي ترك فراغا يصعب تعويضه حتى في ظل محاولات باريس كسب أسواق جديدة.

وبينما تحاول فرنسا إنعاش صادراتها عبر أسواق بديلة في إفريقيا وآسيا، إلا أن الأرقام لا تبشّر بإنفراج قريب. فخلال الموسم الماضي، انخفضت صادرات القمح اللين الفرنسي إلى خارج الاتحاد الأوروبي إلى 3.5 ملايين طن، وهو أدنى مستوى منذ بداية القرن، في حين يتوقع أن ترتفع خلال موسم 2025/2026 إلى ما بين 7 و8 ملايين طن بفضل تحسن المحصول وتباطؤ الصادرات الروسية، غير أن هذا التحسن يظل محدود الأثر أمام فائض الإنتاج الكبير الذي يُتوقع أن يرفع المخزونات الفرنسية إلى حدود 4 ملايين طن، وهي أعلى كمية منذ 21 عامًا.

ومع ضعف الطلب الجزائري وتراجع مشتريات الصين، تحاول باريس تعويض خسائرها بالاتجاه نحو المغرب وبنغلاديش وتايلند، حيث شهد شهر أوت مبيعات بلغت 200 ألف طن تلتها زيادات طفيفة في سبتمبر، إلا أن هذه الأرقام لا تكفي لإنقاذ قطاع القمح الفرنسي من أزمته.

ورغم الأداء الجيد في السوق المغربية التي رفعت وارداتها من القمح الفرنسي إلى 3.5 ملايين طن هذا الموسم، فإنها تظل سوقًا محدودة لا تعوض غياب الجزائر التي كانت تستورد سنويًا ما بين 5 و6 ملايين طن من القمح الفرنسي في سنوات الذروة.

ويرى مراقبون أن التحول في السياسة الاقتصادية الجزائرية، الذي شمل تنويع مصادر الاستيراد والانفتاح على موردين جدد من روسيا والأرجنتين وأوكرانيا، قد أعاد رسم خريطة تجارة الحبوب في البحر الأبيض المتوسط، وفرض على فرنسا واقعًا جديدًا لم تعهده من قبل.

وبينما تحاول باريس إعادة تموضعها في السوق العالمية، تبدو الضربة الجزائرية بمثابة رسالة قوية في عالم التجارة الزراعية مفادها أن الاعتماد على زبون واحد لم يعد خيارًا آمنًا، وأن السياسة يمكن أن تغيّر مسار القمح كما تغيّر موازين السياسة نفسها.