ما الذي جذب عملاق الدواء العالمي للاستثمار في السوق الجزائرية؟

صناعة

لم يعد اهتمام الشركات الصيدلانية العالمية بالأسواق يُبنى فقط على حجم الطلب، بل بات يرتبط بجملة من العوامل المركّبة تشمل الاستقرار، الإطار التنظيمي، والقدرة على بناء إنتاج محلي طويل المدى.

في هذا السياق، يبرز توجّه بعض الأسماء الكبرى في صناعة الدواء نحو الجزائر كإشارة على تحوّل أعمق في قراءة السوق الوطنية، التي بدأت تُدرَك بوصفها فضاءً صناعيًا واعدًا لا مجرد سوق استهلاكية.

ضمن هذا المشهد، طُرح اسم شركة Tenshi، أحد الفاعلين العالميين في الصناعة الصيدلانية، كجهة تبدي اهتمامًا واضحًا بالسوق الجزائرية. اهتمام لا يبدو معزولًا أو ظرفيًا، بل يأتي في سياق أوسع من إعادة تموضع شركات الدواء الكبرى، التي تبحث عن أسواق قادرة على الجمع بين الاستقرار السياسي، القرب الجغرافي من أسواق إقليمية، وإمكانية تطوير إنتاج محلي مدمج.

ويجد هذا الاهتمام أرضية مناسبة في التحولات التي يعرفها القطاع الصيدلاني الجزائري خلال السنوات الأخيرة، سواء من حيث توسيع القدرات الإنتاجية، أو من خلال السياسات العمومية الداعمة للتصنيع المحلي وتقليص الواردات.

فالجزائر باتت تراهن بشكل متزايد على توطين صناعة الدواء، ليس فقط لتغطية الحاجيات الداخلية، بل لبناء منظومة إنتاج قادرة على الصمود أمام الاضطرابات الخارجية.

كما تلعب الاعتبارات المرتبطة بالأمن الصحي دورًا محوريًا في هذا التوجّه. فالدواء لم يعد قطاعًا اقتصاديًا فحسب، بل مجالًا سياديًا بامتياز، ما يجعل الاستثمار فيه محكومًا برؤية طويلة المدى.

ومن هذا المنظور، فإن اهتمام شركات عالمية ذات خبرة واسعة في البحث والتطوير يُقرأ كمؤشر على ثقة متنامية في البيئة الاستثمارية الجزائرية، وقدرتها على احتضان مشاريع ذات قيمة مضافة عالية.

ومن زاوية إقليمية، تزداد جاذبية الجزائر بالنظر إلى موقعها الجغرافي، وقربها من أسواق إفريقية ومتوسطية تعرف طلبًا متزايدًا على المنتجات الصيدلانية. فبالنسبة للشركات العالمية، لم يعد التفكير محصورًا في السوق المحلية فقط، بل في إمكان تحويل الجزائر إلى قاعدة إنتاج وتوزيع إقليمية، خاصة في ظل التحولات الجارية داخل سلاسل التوريد العالمية.

بهذا المعنى، لا يمكن فصل اهتمام Tenshi بالسوق الجزائرية عن مسار أوسع يعيد رسم خريطة صناعة الدواء في المنطقة. مسار تتحول فيه الجزائر تدريجيًا من سوق مستقبِلة إلى شريك صناعي محتمل، في قطاع يجمع بين الرهان الاقتصادي ومتطلبات السيادة الصحية، ويضع البلاد أمام فرصة جديدة لتعزيز موقعها داخل سلاسل الإنتاج الصيدلاني الدولية.