مع تدشين مصنع جديد متخصص في تصنيع وتركيب المحركات بولاية عين مليلة، تدخل صناعة السيارات في الجزائر مرحلة مختلفة تقوم على توطين المكوّنات الأساسية بدل الاكتفاء بالتجميع، في خطوة تعكس توجّهًا عمليًا نحو بناء قاعدة صناعية أكثر عمقًا واستدامة.
هذا المشروع، الذي يحمل دلالات صناعية واقتصادية واضحة، يضع الولاية في موقع متقدم ضمن خريطة الاستثمار الصناعي الوطني، ويمنح قطاع السيارات دفعة جديدة تنطلق هذه المرة من قلب المنظومة: المحرك.
في قلب الشرق الجزائري، يبرز مصنع M.L.H.B. Engine بعين مليلة كإحدى العلامات الجديدة لتحول صناعة السيارات في البلاد، ليس فقط بوصفه وحدة إنتاج، بل كحل صناعي مباشر لواحد من أكثر الإشكالات التي واجهت السوق الوطنية لسنوات: غياب تصنيع محلي فعلي للمحركات وقطعها الأساسية.
فمع تدشين هذا المصنع، تنتقل الصناعة من مرحلة التجميع المحدود إلى منطق إنتاج المكوّنات، وهي خطوة تُعد مفصلية في مسار بناء منظومة صناعية متكاملة.
المصنع المتخصص في تركيب المحركات، وهو نشاط لا يزال نادراً على المستوى الوطني، يعتمد على خط إنتاج مُحسَّن بتقنيات حديثة، مكنه من بلوغ قدرة إنتاجية أولية تصل إلى 100 محرك يوميًا.
هذا الرقم، الذي قد يبدو تقنيًا في ظاهره، يعكس في العمق جاهزية صناعية تسمح بتأمين حاجيات السوق المحلية بشكل منتظم، وتقليص الاعتماد على الاستيراد الذي طالما شكّل عبئًا على القطاع.
ويستمد المصنع بعده الاستراتيجي من حصوله على الاعتمادات الرسمية من شركة DFM – Dongfeng Motor Corporation، أحد أكبر مصنّعي السيارات في الصين، ما يمنحه شرعية صناعية دولية ويضعه ضمن شبكة إنتاج معترف بها، قادرة على احترام المعايير التقنية المطلوبة في صناعة المحركات.
هذا الاعتماد لا يفتح فقط آفاق الثقة في المنتج المحلي، بل يعزز كذلك فرص توسيع النشاط مستقبلاً نحو أسواق أخرى.
وعلى مستوى التشغيل، بدأ المصنع نشاطه بإحداث 32 منصب عمل مباشر، مع برنامج توسّع تدريجي يهدف إلى رفع هذا العدد إلى 120 وظيفة خلال الأشهر المقبلة، بالتوازي مع زيادة وتيرة الإنتاج.
غير أن أهمية المصنع لا تُقاس بعدد المناصب فقط، بل بقدرته على خلق سلسلة قيمة محلية تشمل الصيانة، التزويد، والخدمات المرتبطة بالمحركات، ما ينعكس إيجابًا على النسيج الصناعي المحيط به.
ويُنتظر أن يشكّل المصنع ركيزة أساسية لتوفير محركات معتمدة محليًا، خاصة لفائدة المركبات النفعية التي تشكل جزءًا مهمًا من حركة الاقتصاد اليومي. فوجود وحدة إنتاج داخل الوطن يختصر آجال التزويد، ويقلص التكاليف، ويوفر حلاً عمليًا لمهنيين ومؤسسات تبحث عن استمرارية تشغيل مركباتها دون الارتهان لأسواق خارجية.
بهذا المعنى، لا يُنظر إلى مصنع عين مليلة كمجرد استثمار صناعي جديد، بل كنقطة تحوّل هادئة في مسار توطين صناعة السيارات بالجزائر، حيث يبدأ البناء من القلب: المحرك.



