اعتبرت الخارجية الجزائرية المناورات العسكرية الثنائية التي أعلنت عنها فرنسا خلال شهر سبتمبر المقبل بالتعاون مع نظام المخزن العدائي للجزائر، وبإيعاز من الكيان الصهيوني، عملاً استفزازيًا مشينًا، خاصة وأنه سينشط بمنطقة الراشيدية بالقرب من الحدود الجزائرية، مما يُعد ترهيبًا مباشرًا مشتركًا ضد الجزائر، وسيزيد من حدة الأزمة السياسية والدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا. واعتبرت المشروع العسكري، الذي يحمل دلالات خطيرة بتسميته “شرقي 2025″، تلميحًا جغرافيًا ذا خطورة بالقرب من الأراضي الجزائرية، في ظل الوجود الصهيوني ومحاولات كبيرة من طرف نظام المخزن للإساءة إلى الجزائر والمساس بأمنها بطرق عدة.
المغرب القديم، الذي أصبح متعدد الجنسيات والديانات، وباع أرضه وشرفه وشعبه مقابل التعدي على الجوار وانتهاك حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، خرج إلى العلن لتطبيق أوامر غربية في حلقة استفزازية منظمة تهدف إلى التقليل من قوة العسكرة الجزائرية وحنكة الدبلوماسية الجزائرية من جهة أخرى. بعدما فقدت فرنسا وجودها وهيبتها داخل القارة الإفريقية، فهي تبحث عن مواطن ومناطق ومحاولة إعادة بعث وجودها داخل إفريقيا من باب التهديد والترهيب العسكري، خاصة وأنها وجدت من الأراضي المغربية الهجينة مسرحًا لها للاستشراف بتنصيب مواقع وقواعد عسكرية فرنسية هدفها الوقوف ضد الجزائر التي ترفض شتى آليات وأدوات التطبيع الإسرائيلي وعدم الرضوخ أو التعامل بلغة الإملاءات الغربية.
إن المستعمر القديم يحضر لسيناريوهات عسكرية بعدما أعلن عن الأرضية والوجهة المتعاونة وأدوات التمثيل العسكري وتنصيب إحداثيات الهدف، وهو أمر فهمته الجزائر سياسيًا وعسكريًا، وليس بالغريب عليها، بل سبقته بفعل الهندسة العسكرية الجزائرية بمناورات كبيرة واحترافية عالية، وبأجهزة وآليات متطورة بالذخيرة الحية. وتُعتبر هذه المناورة تلميحًا بعد النكسة الفرنسية في القارة الإفريقية وإعلانًا لإحداث القطيعة وبداية لصراع متعدد المتغيرات والمستويات، والجزائر مستعدة دبلوماسيًا وعسكريًا للتصدي لأي خطر يوشك حدوثه، ولو في المناطق المتاخمة لها. بعد أن برزت وأثبتت وجودها دوليًا وفي الهيئات الأممية، وانتقلت إلى دولة ناشئة تعتمد على اقتصادها وتمنع الاستيراد من دول عمدت إلى تحقيق استقرارها السياسي والاقتصادي بالتعاون مع الجزائر، مثل فرنسا، وهي الذريعة التي تتخذها فرنسا بصفة غير مباشرة بعد أن فقدت البوصلة من طرف الجزائر والعديد من الدول الإفريقية التي كانت تستمد منها قوة اقتصادها، مما أوقعها في مديونية خانقة.
ومن جهة أخرى، فإن إخطار الجزائر للسفير الفرنسي يُعد رد فعل روتينيًا يتوجب آليًا من طرف الدول، رغم قوتها العسكرية. فالجزائر أرادت من إخطارها إعطاء إنذار غير مباشر للدول المتعاونة بأن العملية والمناورة خطيرة، ليس فقط على الجزائر، بل لأن رد الفعل سيكون قاسيًا على الأطراف المتعاونة والمتاخمة لأراضيها، والتي تتحكم فيها الجزائر جغرافيًا وعسكريًا، بآليات عسكرية وجاهزية بأسلحة ضخمة تعرفها جميع الدول المجاورة للجزائر، خاصة نظام المخزن الذي أعلن مخاطرته المباشرة، وهي إيعاز من الجزائر استباقيًا بأن المرحلة القادمة لن تكون دبلوماسية ولا تفاوضية، بل تدخل في لغة الإحصاء والأرقام.
فالشعب الجزائري مطمئن ويعرف مؤسسته العسكرية، وهو مساند لها ومعها ومتكون منها في التعامل مع الظروف الاستثنائية، عكس نظام المخزن الذي يناور بشعبه، والذي دخل مرحلة قاسية من الفقر المدقع والمجاعة وقمع الحريات وسياسة التجويع المتعمد، على حساب صرف أمواله وضخ كل جهده الاقتصادي لصالح التطبيع مع الكيان الصهيوني العدائي للجزائر، والتعاون عن طريق البيع والإيجار لفرنسا ضد الجزائر، كما فعل أسلافه خلال ثورة التحرير الجزائرية التي قدمت استقلالها بالانتزاع والشرف.
فالأثر ليس خطيرًا نفسيًا لأنه متوقع في أي لحظة، فالأمر واضح عندما يكون الفعل مصدره نظام المخزن وفرنسا، وسوف تكون الجزائر جاهزة بالتصعيد في لغة ومنطق الاستراتيجية العسكرية. وهو هدف واضح من طرف الحلفين، إلا أنه إيجابي لصالح الجزائر بعد استباقها الدبلوماسي ورد الفعل، عكس التداخل وعدم الاحترام الذي يعرفه اليمين المتطرف الفرنسي مع مؤسسته العسكرية، حيث إنه لا يحترم مواقفها في ظل وجود اختراق تام لليمين المتطرف لتقاليد المؤسسة العسكرية الفرنسية، مع اختلال التوازن في مؤسسة الرئاسة والقرارات العشوائية التي تصدر دون استشارة أو تخطيط من طرف الحكومة الفرنسية ورئيسها، والدخول في نفق عدم التحكم في السلطة من طرف ماكرون.
هنا يُفهم أن إعلان المناورة نموذج تقدمت به سلطات المخزن ومشروع للكيان الصهيوني، باستغلال الأزمة القائمة بين الجزائر وفرنسا، ومحاولة زيادة حدة الأزمة وتحقيق القطيعة، وإضافة متغير آخر ضد الجزائر. فنظام المخزن يعلن عن دخوله في تواطؤ آخر مع فرنسا مباشرة، وهو ما استقبله اليمين المتطرف، ويحاول اللعب بأجندة فرنسية مغربية بتأطير صهيوني داخل المنطقة.
فالوضع يتطلب الفطنة والجاهزية والاحترافية الدبلوماسية والعسكرية، فكل السيناريوهات واضحة والافتراضات ممكنة في ظل الظروف الراهنة. إن مستقبل العلاقات الفرنسية الجزائرية يتجه نحو القطيعة إذا استمر تفعيل مثل هذه الاستفزازات وتنفيذ هذه البرامج والمناورات، خاصة على حدودها المقدسة، مما قد يصل إلى مستوى قطع العلاقات الدبلوماسية، كما حدث مع جار السوء المغربي. وهو ما زاد من خطورة الأزمة الفرنسية الجزائرية، وإدخال الجزائر في جو سياسي ودبلوماسي متوتر، واستغلال فرنسا لكل الأطراف التي تحمل عداءً للجزائر لاستخدامها كأدوات ضغط عليها، من أجل فرض أجندتها ومحاولة العودة إلى الواجهة الإفريقية، بعدما طُردت بقواعدها العسكرية من القارة الإفريقية.
فالجزائر، نظريًا وتطبيقيًا، البيئة الإقليمية لصالحها، ووجودها ثابت، ورد فعلها متعدد وصعب تناوله وتقبله من طرف الحلفاء العدائيين. ورئيس الجمهورية عازم على مواصلة التحديات الإقليمية، وتفعيل المواقف الثابتة للسياسة الخارجية الجزائرية إقليميًا ودوليًا. كما أن مؤسساتها الدستورية قائمة بخبرائها للتعامل مع أي طارئ يهدد أمن الجزائر. بالإضافة إلى ذلك، فإن الثقة والجاهزية والاحترافية للمؤسسة العسكرية الجزائرية تبقى مضمونة ومدروسة من طرف قيادتها، وتثبتها المناورات التي عرفتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، والتي تميزت باحترافية عالية تكنولوجيًا وبشريًا وماديًا، وتعتمد على الدفاع في كل الظروف.
وقد عبر العديد من الخبراء العسكريين ودول كبرى عن أن الجزائر لاعب مؤثر في المنطقة عسكريًا، وأن سياستها الأمنية تتحكم في معظم دول إفريقيا في إدارة الأمن الإقليمي، خاصة في ظل غياب فرنسا التي فقدت نفوذها العسكري، وتحاول العودة تحت غطاء حماية أمن الدول الإفريقية. وهو ما تسعى إلى تحقيقه الآن ضد دولة سلمية تدعو إلى تحقيق الأمن والسلم الإفريقيين، وتسهم في تأسيس المؤسسات الأمنية والسلمية في القارة.
إن تدخل وزارة الخارجية الجزائرية ورفضها للمناورة العسكرية عن طريق إخطار السفير الفرنسي هو رد فعل يحمل دلالات واضحة بأن المنطقة حساسة بوجود الجزائر، وأنها تفرض منطق الدبلوماسية وتهدئة الأوضاع مهما كلفها ذلك. كما أن إلغاء المناورة مع نظام المخزن سيحافظ على استقرار العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا، في انتظار بيان رسمي من الحكومة الفرنسية حول موقفها من المشروع العسكري الفرنسي المغربي، ومعرفة مدى جديته، أو ما إذا كان مجرد حرب نفسية وإعلامية ضد الجزائر.