من بطاريات الليثيوم إلى السيارة الكهربائية… هل تدخل الجزائر سباق الثورة الصناعية الخضراء؟

تحليل طاقة ومناجم

أثار ظهور البروفيسور كريم زغيب على شاشة التلفزيون الجزائري قبل بضعة أيام نقاشا واسعا بعد كشفه عن تفاصيل المشروع الوطني لتطوير بطاريات الليثيوم-الحديد-الفوسفات، الذي يَعِد بتحويل الجزائر إلى قطب صناعي إقليمي في مجال الطاقة النظيفة، وصولا إلى إنتاج سيارة كهربائية “جزائرية كاملة” في غضون سنوات قليلة. وبينما يترقب الشارع بفضول، يطرح الخبراء أسئلة حول واقعية هذا الطموح، حجم تحدياته، وآفاقه الاقتصادية والاجتماعية، في ظل سباق عالمي محموم نحو الثورة الصناعية الخضراء.

يشكل مشروع بطاريات الليثيوم-الحديد-الفوسفات الذي كشف عنه البروفيسور كريم زغيب منعطفا حاسما في مسار الجزائر الصناعي، كونه يضع البلاد لأول مرة على خارطة التحول العالمي نحو الطاقات النظيفة. فالعالم اليوم يعيش سباقا محموما لإنتاج بطاريات آمنة وفعّالة ورخيصة التكلفة، باعتبارها القلب النابض للسيارات الكهربائية، والجزائر تمتلك ميزة طبيعية نادرة تتمثل في وفرة المواد الخام الأساسية لهذا النوع من البطاريات.

الليثيوم، الحديد، والفوسفور عناصر استراتيجية تجعل الجزائر مؤهلة لبناء سلسلة قيمة متكاملة، من الاستخراج والمعالجة إلى التصنيع. ما يميز هذه التركيبة أن الحديد متوفر بأسعار منخفضة، والفوسفات يمنح البطاريات أمانا أكبر ضد الاشتعال، في حين أن الليثيوم يُعد أحد أكثر المعادن طلبا في العالم اليوم. هذا المزيج الطبيعي يمنح الجزائر فرصة نادرة لتقليل التبعية للخارج وبناء صناعة محلية ذات بعد عالمي.

وبالنظر إلى طبيعة المشروع، فإن الجزائر لا تكتفي بتصنيع البطاريات لتغطية حاجاتها الداخلية فحسب، إذ تطمح أيضا لتصديرها نحو أسواق تبحث عن بدائل آمنة وفعّالة، وخاصة في أوروبا وإفريقيا. وإذا ما نجح هذا الطموح في التبلور على أرض الواقع، فسيكون بمثابة ولادة صناعة جديدة قد تغيّر معالم الاقتصاد الوطني لعقود قادمة.

بين الحلم والإمكانات… تحديات تحاصر المشروع

رغم الطموح الكبير الذي يحمله المشروع، إلا أن الطريق نحو تحقيقه ليس سهلا. فإنتاج بطاريات الليثيوم-الحديد-الفوسفات يتطلب منظومة صناعية متكاملة، من البحث والتطوير إلى خطوط الإنتاج المتقدمة، وهو ما يفرض على الجزائر الاستثمار بقوة في التكنولوجيا ونقل المعرفة من أجل تقليص الفجوة مع الدول الرائدة. فمجرد توفر المواد الأولية لا يكفي وحده لبناء صناعة تنافسية في سوق عالمي شديد التعقيد.

التحدي الآخر يرتبط بالجانب الاقتصادي. فالمشروع يحتاج إلى استثمارات ضخمة لضمان استمرارية الإنتاج، وتطوير البنية التحتية، وتأهيل اليد العاملة المحلية. في هذا السياق، يصبح التمويل مسألة محورية، خاصة وأن السوق العالمية للبطاريات تشهد منافسة حادة بين قوى اقتصادية كبرى مثل الصين، الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية. دخول الجزائر هذا المضمار يتطلب سياسات حكيمة لتأمين التمويل وتجنب الوقوع في الاعتماد المفرط على الشركاء الأجانب.

إضافة إلى ذلك، فإن القدرة على تسويق البطاريات الجزائرية في الخارج رهينة بجودة المنتج والتكلفة النهائية. فالمستهلك الأوروبي مثلا يبحث عن بطاريات عالية الكفاءة تتماشى مع معايير صارمة للأمان والاستدامة، بينما تحتاج الأسواق الإفريقية إلى حلول منخفضة التكلفة ومناسبة لخصوصياتها. التوفيق بين هذين البعدين سيمثل التحدي الحقيقي لنجاح المشروع في المدى المتوسط والبعيد.

عشرات الآلاف مناصب جديدة… صناعة ناشئة بأبعاد استراتيجية

مشروع بطاريات الليثيوم يحمل في طياته انعكاسات اقتصادية مباشرة على سوق العمل والاقتصاد الوطني ككل. فقد أكد البروفيسور كريم زغيب أن هذا القطاع قادر على خلق ما بين عشرة آلاف إلى خمسين ألف وظيفة، وهو رقم كفيل بإحداث فارق حقيقي في نسبة البطالة، خاصة بين فئة المهندسين وخريجي الجامعات الذين يبحثون عن فرص عمل نوعية.

إلى جانب المناصب المباشرة داخل المصنع، من المتوقع أن يفتح المشروع آفاقا لآلاف المناولين والموردين المحليين في مجالات مرتبطة بسلسلة الإنتاج، مثل الكيمياء الصناعية، التعدين، الطاقات المتجددة، والخدمات اللوجستية. وبذلك يتحول المشروع إلى محرك اقتصادي متعدد الأبعاد، يعزز النسيج الصناعي الوطني ويمنح دفعة قوية لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

اقتصاديا، يمثل هذا الاستثمار خطوة باتجاه تقليص التبعية للخارج، من خلال تصنيع مكوّن استراتيجي محليا بدل استيراده. كما أنه يوفر للجزائر فرصة لتصبح مصدّرا رئيسيا للبطاريات في منطقة يشهد فيها الطلب نموا سريعا، ما يعزز الميزان التجاري ويدعم احتياطي العملة الصعبة. بهذا المعنى، يتجاوز المشروع حدود التشغيل المباشر ليشكل رافعة استراتيجية للاقتصاد الجزائري.

السيارة الكهربائية الجزائرية… حلم أم واقع قريب؟

من بين أبرز ما كشفه البروفيسور كريم زغيب في تصريحاته هو أفق تطوير أول سيارة كهربائية جزائرية خلال خمس إلى ست سنوات. هذا الإعلان يفتح الباب أمام نقاش واسع: هل يمكن للجزائر، التي لا تزال تخطو خطواتها الأولى في التصنيع الميكانيكي، أن تنتقل في ظرف وجيز إلى إنتاج سيارة كهربائية كاملة بمقاييس عالمية؟

الجواب يرتبط بمدى نجاح مشروع البطاريات، باعتبارها المكوّن الأساسي لأي سيارة كهربائية. فإذا تمكنت الجزائر من تصنيع بطاريات عالية الكفاءة وآمنة وبأسعار تنافسية، فإن الطريق سيكون مفتوحا أمام الانتقال إلى مرحلة تصميم وإنتاج السيارة. لكن هذا الطموح يتطلب أكثر من مجرد بطارية، إذ يحتاج إلى تطوير خطوط تصنيع هياكل السيارات، أنظمة القيادة الذكية، والتكامل مع شبكات الشحن الكهربائي، وهي تحديات كبيرة لكنها ليست مستحيلة إذا رافقتها إرادة سياسية واستثمارات مدروسة.

الجزائر، بما تملكه من موارد طبيعية وخبرة بشرية صاعدة، قادرة على تحويل هذا الحلم إلى واقع، خاصة إذا ما تم دمج البحث العلمي مع الصناعة وتطوير شراكات استراتيجية مع مؤسسات عالمية. وإذا تحقق هذا الهدف، فإن السيارة الكهربائية الجزائرية ستكون رمزا لتحول شامل نحو اقتصاد قائم على الابتكار والطاقات المتجددة، يضع البلاد في موقع متقدم ضمن سباق الثورة الصناعية الخضراء.