من لا يصنع قوته يُصنع له مصيره… عالم لا يعترف إلا بالأقوياء

افتتاحية سهم

اندلعت شرارة جديدة في سماء الشرق الأوسط يوم 13 جوان 2025، حين أطلقت إيران وابلا من الصواريخ والطائرات المسيّرة ردّا على عدوان صهيوني استهدف منشآت نووية وشخصيات نافذة وعلماء عسكريين على أراضيها. الضربة الإيرانية كانت إعلانا واضحا بأن زمن الهروب من المواجهة قد ولّى، وأن من لا يمتلك أذرع الردع ومفاتيح القوة، لن يحسب له أي حساب في المعادلات الإقليمية والدولية.

في تلك الليلة، دوت صفارات الإنذار في تل أبيب، وارتجّت معها أوهام التفوق الصهيوني وقدّمت طهران درسا استراتيجيا قاسيا: لا أمن دون قدرة على الرد، ولا سيادة دون استعداد دائم للحرب. إنها حرب بوسائل ذكية وتكنولوجيا دقيقة، صاغت من خلالها إيران معادلة توازن ردع جديدة، تكسر أسطورة الكيان الذي لا يُقهر، وتعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة.

ولو نعود بالزمن بضعة أسابيع، وتحديدا في الضفة الشرقية من آسيا، رسمت باكستان مشهدا آخر للقوة. فحين اندلعت مواجهات عسكرية مع الهند، لم تنتظر إسلام آباد كثيرا للرد، وسخّرت سلاح الجو والمدفعية والطائرات المسيرة، ودفعت بجنرالاتها إلى حدود النار دون أن ترتجف. باكستان، رغم أزماتها الاقتصادية، لم تتردّد في استخدام كل ما تملك لتقول إن كرامة الدولة تقاس بمستوى الجاهزية حين يقرع الطبل.

هاتان الحربان، على بعد آلاف الكيلومترات، لم تكونا مجرد أحداث إقليمية وإنما رسائل كونية: من لا يُظهر أنيابه يُفترس، ومن لا يصنع قوته يُصنع له مصيره. لقد انتهى زمن المبادئ المجردة، وبدأ عصر الصواريخ والعقول والاقتصاد المؤمّن. في هذا السياق، لا بدّ للجزائر أن تنظر حولها جيدا، وتُدرك أن تحصين السيادة يبدأ من بناء منظومة ردع شاملة، عسكرية كانت أم اقتصادية.

الجزائر التي تملك جيشا وطنيا محترفا، وتجربة دبلوماسية رصينة، مطالبة اليوم بتسريع وتيرة التحديث العسكري، وتطوير صناعاتها الدفاعية، وتكثيف شراكاتها الاستراتيجية في هذا المجال. فالتوازن يبنى بالصبر والعلم والإرادة. ومع كل شظية تسقط على عاصمة أو قاعدة عسكرية في العالم، يتأكد أن من لا يملك “مخالب الردع” يبقى في هامش التاريخ، مهما كان خطابه جميلا.

لكن القوة وحدها لا تكفي. فلا جيش قوي يصمد دون اقتصاد مرن ومنتج. إن تقوية الاقتصاد الجزائري، وتنويعه بعيدا عن تقلبات النفط، ضرورة أمنية قبل أن تكون أولوية تنموية. فالاقتصاد المتنوع يعد درعا واقيا من الابتزاز، وسلاحا صامتا يفتح الأبواب المغلقة ويكسر الحصار قبل أن يبدأ.

ولا سيادة بلا أمن غذائي. لقد أثبتت الأزمات المتلاحقة، من جائحة كورونا إلى الحروب الأخيرة، أن الدول التي لا تنتج غذاءها تظل رهينة مخازن الغير ومطاحن الخارج. الجزائر تمتلك كل المقوّمات من أرض وماء وعقول، لتتحول إلى قوة زراعية إقليمية، تجعل من القمح والبطاطا سلاحا ردعيا لا يقل أهمية عن الطائرات والدبابات.

والأهم من كل ذلك، أن الجزائر لا تعيش حالة انتباه مؤقت، بل تسير بثبات في هذا الاتجاه، عبر رؤية واضحة لبناء دولة قوية، منتجة، سيدة قرارها، ومحصنة من الداخل. إنها معركة طويلة، لكنها بدأت فعلا، ومن لا يرى خطوات الجزائر على هذا الطريق، فهو إما أعمى، أو يتمنى ألا تنهض.