ينظر في الجزائر باهتمام بالغ لإمكانية الانضمام لمجموعة بريكس التي تضم أكبر اقتصاديات العالم، على خلفية الرغبة التي أبان عليها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون نهاية شهر جويلية الماضي عندما قال إنه من الممكن الالتحاق بمجموعة دول “البريكس” باعتبار بلاده “قوة اقتصادية وسياسية”.
وأشارت مجلة الصين في مقالها المعنون بـ “انضمام الجزائر الى مجموعة بريكس .. مؤهلات ومزايا” الى أن الجزائر التي تعد أكبر بلد في افريقيا من حيث المساحة والذي يحوز على موقع استراتيجي ملائم، يتوفر على كل المؤهلات والمزايا التي تزيد من فرص انضمامه الى مجموعة بريكس الاقتصادية.
وقد كشف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في لقاء صحفي سابق مع وسائل الاعلام المحلية على أن الجزائر تسعى للانضمام لمجموعة بريكس الاقتصادية التي تضم دولا كبرى مثل الصين وروسيا, مؤكدا أن بلاده لديها المقومات اللازمة للانضمام، والشروط الاقتصادية تتوفر بنسبة كبيرة.
ترحيب روسي – صيني
وأعلنت روسيا على لسان سفيرها في الجزائر فاليريان شوفايف، ترحيبها في حال انضمام الجزائر الى منظمة البريكس الاقتصادية.
وصرح السفير الروسي لدى الجزائر، بأن روسيا لا تعارض انضمام الجزائر إلى منظمة “بريكس” BRICS. وقال للصحافة الدولية: “ليس لدى روسيا أي اعتراض على رغبة الجزائر في الانضمام إلى (بريكس)، حيث ناقش الرئيسان هذه القضية”.
كما أكدت الصين هي الأخرى دعمها وترحيبها لانضمام الجزائر للمجموعة الاقتصادية “بريكس”، على لسان وزير خارجيتها وانغ يي، خلال لقائه بنظيره الجزائري رمطان لعمامرة، على هامش مشاركتهما في الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 سبتمبر الماضي بنيويورك.
وأشار وانغ يي إلى أن الجزائر دولة نامية كبيرة، وتعد ممثلا عن الاقتصادات الناشئة، وأن الصين تقدِّر انضمام الجزائر لمجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية بصفتها من أوائل الدول الأعضاء وتطبق المبادرة بفاعلية، كما تعتزم العمل مع الجزائر من أجل لعب دور بناء في تحقيق السلام والتنمية العالميين.
وفي وقت سابق، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ في كلمة ألقاها خلال افتتاح قمة “البريكس” الرابعة عشرة الافتراضية، تحت عنوان “تعزيز شراكة بريكس عالية الجودة ـ بداية عصر جديد للتنمية العالمية”، المنعقدة في شهر يونيو من هذا العام، إن ضخ دماء جديدة في آلية التعاون للبريكس سيأتي بحيوية جديدة للتعاون في إطار البريكس، وسيزيد من تمثيل دول البريكس وتأثيراتها.
وأضاف أن دول بريكس قد أجريت في العام الجاري النقاش في مختلف المناسبات وعلى نحو معمق حول توسيع عضوية المنظمة، ومن الضروري المضي قدما في هذه العملية، بما يمكن الشركاء ذوي التطلعات المشتركة من الانضمام إلى العائلة الكبيرة للبريكس في وقت مبكر.
علاقات قوية
وما يزيد أكثر من امكانية انضمام الجزائر الى مجموعة بريكس, الدبلوماسية والعلاقات القوية التي تربط الجزائر بالدول الأعضاء الخمسة خاصة روسيا والصين.
وتعد الصين من أهم الشركاء التجاريين للجزائر وفق الأرقام الرسمية للجمارك الجزائرية حيث تعد من الممونين الرئيسيين (16,5 بالمائة) للجزائر.
وفي عام 2021، بلغ إجمالي واردات الصين من السلع من الجزائر 7 مليارات يوان، وبلغ إجمالي صادرات الصين إلى الجزائر 41 مليار يوان، وحقق الفائض التجاري للصين مع الجزائر 34 مليار يوان.
من جة أخرى, بلغت العلاقات الثنائية التي تجمع بين الجزائر وروسيا مستوى الشراكة الاستراتيجية العميقة وعرفت تقدما و تطورا بشكل ملحوظ في الأعوام الخمس الماضية”. وفق تصريحات السفير الروسي شوفايف الذي أعلن أن “البلدان يعملان حاليا على صياغة وثيقة استراتيجية جديدة تعكس جودة العلاقات الجزائرية-الروسية، و هي الوثيقة التي ستصبح أساسا لتحفيز و تكثيف التعامل بين البلدين”.
وتؤكد هذه التصريحات ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الجزائر تعد ثاني أكبر شريك تجاري لروسيا في القارة الإفريقية.
وأكد أيضا على استمرار التعاون التجاري والاقتصادي بينهما وهو آخذ في التطور بشكل نشط في العديد من المجالات على غرار المجالات العسكرية ، الفنية والإنسانية بين البلدين.
مقومات متوفرة
وتنظر دول “بريكس” إلى الجزائر كدولة متحررة من الديون الخارجية، لها احتياطي جيد من العملة الصعبة، وهي ثالث دولة من حيث احتياطي الذهب عربياً بـ 173 طناً.
ويرى العديد من الخبراء الاقتصاديين الجزائريين أن الجزائر تتوفر على كل المؤهلات الاقتصادية اللازمة للانضمام إلى مجموعة بريكس. حيث أنها واحدة من أكبر الدول في افريقيا من حيث المساحة والحجم الاقتصادي، ما يمنحها الثقة الكاملة للمشاركة بنشاط في الحوكمة العالمية.
وفي هذا الصدد, قال الخبير الاقتصادي عبد القادر بريش في تصريح ل”سهم ميديا”، أن انضمام الجزائر لمجموعة بريكس يكمل دورها الجيواستراتيجي، في إطار المحور العربي والأوروبي.
وأضاف أن انضمام الجزائر لهذه المجموعة سيعطي إضافة لها على الصعيد الإقتصادي كونها لا تملك مديونية ناهيك عن احتياطي صرفها الذي يتراوح في حدود 50 مليار دولار. وهي كلها مؤشرات تنبأ بتوازن اقتصادي للجزائر.
وأكد ذات المحلل أن انضمام الجزائر إلى مجموعة “بريكس”، ستعطي قوة للاقتصاد الوطني وسيمكن الجزائر من تعزيز شراكاتها في مجال التبادل التجاري والاستثمار مع الهند والصين ويمنحها دفعا للاقتصاد الوطني.
اقتصاد واعد
ويعتبر الاقتصاد الجزائري قوة عذراء وعملاق نائم، حيث لم يستغل كما ينبغي حتى الآن، بالرغم من أن مستوى التنمية الاقتصادية للجزائر يأتي في مقدمة الدول الأفريقية.
وتتجه الجزائر إلى إحياء ثرواتها المعدنية غيرِ المستغَلة. أملاً في تخفيف العبء على قطاع المحروقات ودخول مرحلة التنوع الاقتصادي. حيث شهدت قيمة صادرات الجزائر خارج المحروقات للمرة الأولى في تاريخها ارتفاع إلى 4 مليارات دولار نهاية 2021، والذي كان يتوقع بأن تبلغ 7 مليار دولار في نهاية 2022.
وتظهر الإحصائيات التي أعلنت عنها الجزائر مؤخرا. أن الصادرات خارج المحروقات قد بلغت 3,507 مليار دولار خلال السداسي الأول من 2022. مقابل 2,047 مليار دولار خلال نفس الفترة من السنة الماضية، “أي نصف الهدف المسطر لسنة 2022 وهو 7 مليار دولار”. ويتوقع أن يتجاوز فائض الميزان التجاري للجزائر 17 مليار دولار بحلول نهاية عام 2022.
كما أن قطاع الزراعة يعد من أبرز شروط انضمام الدول إلى مجموعة “بريكس”. وتتوفر الجزائر على نحو 40 مليون هكتار صالحة للزراعة. وقدرات مائية ضخمة، الأمر الذي يؤهلها لأن تكون أحد محاور الأمن الغذائي في العالم.
كما لجأت الجزائر مؤخراً إلى تغيير قانون الاستثمار ليكون جاذباً لرؤوس الأموال الأجنبية. خصوصا المباشرة منها والتي لا تتعدى حاليا 1.3 مليار دولار، بحسب الحكومة الجزائرية.
فوائد للجزائر
كما أن انضمام الجزائر الى ” بريكس” التي تعتبر منظمة ذات بعد اقتصادي في المقام الأول. سيدفع بالتأكيد تنميتها الاقتصادية، خاصة في ظل ما يشهده النفط من ارتفاع في السعر مع الأزمة الروسية الأوكرانية.
كما سيسمح لها بالتموقع في الساحة الاقتصادية العالمية. وهو منبر يسمح لها بجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية.
وباعتبار الجزائر بلد استراتيجي في عالم يشهد تغيرات سريعة لم يشهدها من قبل. فإنه من المهم أن تعيد تموضعها بما يخدم مصالحها الخاصة. كما سيسمح لها ان تلعب دورا بارزا وسط متغيرات وتجاذبات على الساحة الإقليمية والدولية. خاصة وأنها تمتلك مقبولية كوسيط لحل الأزمات الإقليمية والدولية.
“بريكس” قوة اقتصادية صاعدة
و”بريكس” قوة اقتصادية صاعدة، إذ تمثل 25 % من إجمالي الناتج العالمي بقيمة 24.2 تريليون دولار. وتتصدرها الصين بـ17.7 تريليون دولار.
ومقارنة مع مجموعة السبع الصناعية الكبرى تمثل دول “بريكس” 40 في المئة من سكان العالم. وما يزيد قليلاً على ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتستحوذ الصين على أكثر من 70 في المئة من اقتصاد المنظمة.
وتعمل ” بريكس” على تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول المنضوية تحت هذا التحالف. إذ تبنى أول اجتماع للمنظمة عام 2009، تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية.
وتحالف بريكس رأت مفاوضاته النور في عام 2006. لإنشاء تحالف دولي يكسر الهيمنة الاقتصادية والاقتصادية للدول الغربية على العالم. حيث أثمرت تلك المفاوضات ولادة ذلك التحالف، كمنظمة سياسية اقتصادية.
وعقدت أول قمة في 16 يونيو 2009، في مدينة يكاترينبورغ الروسية، بمشاركة البرازيل وروسيا والهند والصين أولاً. ثم انضمت إليها جنوب أفريقيا في 24 ديسمبر 2010، ليولد تحالف دولي جديد باسم “بريكس”. وهي كلمة أخذت الحرف الأول من كل دولة عضو.
يشكّل عدد سكان دول “بريكس”، 40 % من سكان العالم. وتغطي الدول الأعضاء فيه مساحة تزيد على 39 مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل 27 % من مساحة اليابسة.
ويتجاوز حجم اقتصادات دوله، الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة السبع، الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا واليابان وفرنسا وكندا وإيطاليا.
ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي فإن حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول “بريكس”. طبقا للقوة الشرائية، يبلغ 44.1 تريليون دولار، فيما يبلغ حجم اقتصادات دول مجموعة السبع الكبرى 40.7 تريليوناً.