أنهت شركة هنكل الجزائر مرحلة جديدة من التحول الصناعي بإدخال مصنعها برغاية في ضواحي العاصمة إلى جيل متقدم من التصنيع الذكي، عقب استثمار ضخم بلغ 120 مليون يورو، مكّن من تحويل الموقع إلى واحد من أكثر المصانع تطورًا ورقمنة في الجزائر، ضمن مقاربة صناعية حديثة تمزج بين التكنولوجيا المتقدمة وتثمين الكفاءات المحلية.
ويمتد المصنع على مساحة 17 هكتارًا بالمنطقة الصناعية لرغاية، ويعمل بنظام إنتاج متواصل على مدار الساعة، مع اعتماد مستوى أتمتة يناهز 98 بالمائة، ما سمح برفع وتيرة الإنتاج بشكل لافت وتقليص الفاقد الصناعي، في وقت باتت فيه الرقمنة أداة مركزية لتحسين الأداء وضمان الاستدامة.
ويعكس هذا التحول توجهًا واضحًا نحو نماذج التصنيع المستقبلية التي تعتمد على البيانات، التنبؤ الذكي بالأعطال، والتحكم الآني في مختلف مراحل الإنتاج.
وفي بعد لافت لهذا التحول، اعتمدت هنكل الجزائر على تطوير جزء كبير من تطبيقاتها الرقمية محليًا، مستندة إلى كفاءات جزائرية شابة، في خطوة تؤكد انتقال الصناعة من مجرد نقل تكنولوجيا إلى توطين حقيقي للمعرفة والخبرة.
كما رافق هذا المسار استثمار واسع في التكوين، حيث يستفيد العمال من برامج تدريب متقدمة، من بينها تقنيات الواقع الافتراضي، بما يعزز السلامة المهنية ويرفع جاهزية الموارد البشرية.
ويبرز المصنع كنموذج في مجال السلامة الصناعية، إذ لم يُسجَّل به أي حادث عمل منذ سنوات، بفضل منظومة وقاية رقمية وإجراءات صارمة مدمجة مباشرة في خطوط الإنتاج. كما تعتمد هنكل الجزائر مراقبة دقيقة للجودة، تشمل كل المراحل من المواد الأولية إلى التغليف النهائي، باستخدام تجهيزات ذكية قادرة على رصد أدق التفاصيل.
وعلى مستوى الإدماج المحلي، تؤكد الشركة أن جزءًا كبيرًا من المواد الأولية يُوفَّر من السوق الوطنية، فيما يُنجز التغليف بالكامل داخل الجزائر، وبمواد قابلة لإعادة التدوير، في انسجام مع التوجهات البيئية والاقتصاد الدائري.
كما يُصنّف مصنع رغاية ضمن الأقل استهلاكًا للطاقة داخل مجمع هنكل عالميًا، بفضل أنظمة تحليل طاقوي دقيقة تسمح بالتحكم في الاستهلاك واتخاذ قرارات فورية.
ويعكس هذا الاستثمار، بحسب متابعين للشأن الصناعي، تحولا في موقع الجزائر داخل سلاسل القيمة الصناعية، حيث لم تعد وجهة إنتاج تقليدية، بل فضاءً قادرًا على استيعاب نماذج صناعية متقدمة، تجمع بين الأداء، الاستدامة، والبعد المحلي.
وفي هذا السياق، يبدو مصنع رغاية مثالًا على كيف يمكن للاستثمار الصناعي الذكي أن يتحول إلى رافعة للاقتصاد الوطني، ومؤشر على دخول الصناعة الجزائرية مرحلة أكثر نضجًا وتنافسية.



