المغرب يغرق في البطالة… و”الإنجازات الوهمية” لا تُطعم العاطلين

تحليل

سجّل معدل البطالة في المغرب قفزة جديدة ليصل إلى 13.3% في عام 2024، وفقًا لبيانات المندوبية السامية للتخطيط التي جمعتها الجريدة الإلكترونية سهم ميديا المختصة في الاقتصاد.

ويعكس هذا الرقم القياسي فشل سياسات المخزن في إدارة ملف التشغيل، حيث استمر معدل البطالة في التصاعد منذ عام 2020، في ظل غياب إصلاحات اقتصادية حقيقية تخدم المواطن المغربي بدلًا من تكريس منطق المحسوبية.

وفي الوقت الذي يعاني فيه الشباب المغربي من غياب فرص العمل وتدهور القدرة الشرائية، تواصل السلطة تركيزها على مشاريع استعراضية لا تخلق قيمة اقتصادية حقيقية، ولا توفر فرصًا كافية لامتصاص البطالة المتفاقمة. فبينما يتم الترويج لإنجازات وهمية حول “الإقلاع الاقتصادي”، تعيش فئات واسعة من الشعب المغربي تحت ضغط اقتصادي خانق، مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وزيادة الضرائب، وتآكل الطبقة المتوسطة، في ظل انعدام رؤية واضحة لمعالجة الأزمة.

لا يمكن الحديث عن البطالة دون الإشارة إلى فشل المخزن في تحفيز الاستثمار الحقيقي. فالاقتصاد المغربي لا يزال مُسيطرًا عليه من قبل الأوليغارشية المالية المقربة من النظام، والتي تستحوذ على المشاريع الكبرى، بينما يتم تهميش المستثمرين الشباب والمقاولات الناشئة التي تواجه عراقيل بيروقراطية، وصعوبة في الحصول على التمويل، وبيئة غير مستقرة تُحكمها مصالح ضيقة بدلًا من تشجيع الإنتاج وخلق الثروة.

القطاعات التي يُفترض أن تكون ركيزة للتنمية، مثل الفلاحة والصناعة، لم تستطع استيعاب موجات العاطلين، بسبب سوء التخطيط وغياب استراتيجيات فعالة. القطاع الفلاحي مثلًا، الذي يعد مشغلًا رئيسيًا في المغرب، يتعرض لضغوط هائلة بسبب سوء إدارة الموارد المائية، وانعدام الدعم الحقيقي للفلاحين الصغار، واحتكار الشركات الكبرى للثروة الزراعية، مما أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية في المناطق الريفية، ودفع العديد من الشباب إلى النزوح نحو المدن، حيث يواجهون واقعًا أكثر قسوة.

أما القطاع الصناعي، فهو لم يشهد أي نهضة حقيقية، حيث يتم الترويج لمشاريع مجتزأة تخدم مصالح شركات معينة، بينما تغيب السياسات الصناعية الجادة التي تضمن نقل التكنولوجيا وتوفير مناصب شغل مستدامة. والنتيجة هي أن المغرب يعتمد أكثر فأكثر على الاستثمارات الأجنبية التي تستنزف الموارد دون أن توفر فرص عمل كافية للمغاربة، في حين يُترك الشباب بين خيارين: البطالة أو الهجرة.

ورغم محاولات المخزن الترويج لمبادرات مثل “أوراش” و”فرصة”، إلا أن هذه البرامج ليست سوى مسكنات إعلامية لا تعالج جوهر المشكلة. فبدلًا من خلق مناصب عمل مستدامة، يتم اللجوء إلى حلول ترقيعية لا تغير من الواقع شيئًا، حيث يجد الشباب أنفسهم مجبرين على التنقل بين وظائف مؤقتة أو عقود هشة لا توفر لهم أي استقرار مالي أو اجتماعي. والنتيجة هي اتساع رقعة الفقر والهشاشة، مما يدفع الآلاف إلى البحث عن أي وسيلة للهروب، سواء عبر الهجرة السرية، أو الانخراط في الاقتصاد غير الرسمي الذي أصبح بمثابة ملجأ اضطراري للكثير من المغاربة.

التداعيات الاجتماعية لهذه السياسات الكارثية امتدت إلى تدهور الخدمات الأساسية، من تعليم وصحة وسكن، حيث يواجه المواطن المغربي يوميًا تحديات للحصول على الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة. وفي الوقت الذي تغيب فيه الحلول الجذرية، تزداد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالكرامة والعدالة الاجتماعية، لكن النظام يواجهها بالتجاهل والقمع بدلًا من الإصلاح.

الأزمة الحالية التي يعيشها المغرب اليوم هي انعكاس مباشر لسياسات المخزن التي تكرّس التفاوت الطبقي، وتخدم مصالح نخبة ضيقة على حساب الشعب. فبدلًا من بناء اقتصاد منتج يوفر فرص عمل حقيقية، يستمر النظام في سياسة الترضيات السياسية، والإقصاء الاقتصادي، والرهان على الخطاب الإعلامي المضلل لاحتواء الغضب الشعبي. لكن الأرقام لا تكذب، والواقع اليومي للمغاربة أكبر دليل على أن السياسات الحالية لم تفشل فقط في تحسين الأوضاع، بل زادت من تفاقمها.

المغاربة اليوم أمام أزمة شاملة تتجاوز البطالة إلى فقدان الأمل في المستقبل. وإذا لم يتم تغيير جذري في السياسات الاقتصادية والتشغيلية، وإرساء نموذج اقتصادي عادل يحترم حقوق المواطنين ويوفر لهم فرص عمل حقيقية، فإن معدلات البطالة ستواصل ارتفاعها، وستزداد معها الأوضاع سوءًا، مما يضع النظام أمام اختبار حقيقي، بين الاستمرار في نفس النهج الذي أدى إلى هذه الكارثة، أو الشروع في إصلاحات فعلية تُخرج المغرب من هذا النفق المظلم.