قرارات ترامب… رصاصة جديدة في قلب التجارة العالمية

بعيون الخبراء

خطة ترامب برفع الرسوم الجمركية “الرسوم الجمركية المتبادلة” على واردات أزيد من 15 دولة، تُعد تهديدًا وتقويضًا لكل المساعي التي بُذلت من أجل تحرير التجارة الدولية منذ نشأة منظمة “الغات GAAT” سنة 1948، وإلى غاية نشأة منظمة التجارة العالمية “OMC” ابتداءً من يناير 1995.

إن إقرار خطة ترامب برفع الرسوم الجمركية يُعد دق مسمار في نعش منظمة التجارة العالمية، وتقويضًا لكل مساعي تحرير الأسواق وتحرير التجارة العالمية بهدف تعميم الرخاء العالمي وتبادل المنافع والخيرات على المستوى العالمي. كل هذه الأهداف التي سعت إليها منظمة التجارة العالمية تم نسفها بمثل هذه القرارات، التي تعود بالاقتصاد العالمي إلى عهد الحروب التجارية، والمزيد من الحماية التجارية، وتغليب المصلحة الاقتصادية الوطنية، تطبيقًا لشعار ترامب “أمريكا أولًا”، وهذا من أجل تقليص العجز التجاري للولايات المتحدة الأمريكية الذي يبلغ 1.25 تريليون دولار.

وهكذا نشهد عهدًا جديدًا في تاريخ العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية، يطمس كل الأفكار والنظريات التي رُوّجت ودافعت عن العولمة الاقتصادية وتحرير الأسواق، وإزالة الحواجز أمام حرية حركة السلع والخدمات، والتي شكلت أحد العوامل الضاغطة على اقتصاديات الدول النامية من طرف القوى الاقتصادية الدولية المهيمنة، ومن ورائها توصيات مؤسسات الأضلع الثلاث للنيوليبرالية: البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، من أجل تحرير الأسواق أمام السلع والشركات متعددة الجنسيات لغزو أسواقها، ونهب ثرواتها وخيراتها، والقضاء على الصناعات الناشئة في اقتصاديات الدول النامية.

وبالنسبة لنا في الجزائر، تؤكد الوقائع وتطورات الأحداث الاقتصادية على الصعيد العالمي صوابية الرؤية الجزائرية بعدم الانسياق وراء الشعارات البراقة التي كانت ترفعها منظمة التجارة العالمية، والتي حاولت مرارًا الدفع برفع كل الحواجز والرسوم الجمركية أمام تدفق السلع والخدمات نحو الجزائر، وجعل الاقتصاد الجزائري اقتصاد بازار يعتمد على الاستيراد وقتل الصناعة الوطنية. ورأينا آثار ونتائج تقييد الاستيراد على بعض المنتوجات والمواد، كيف كان لها تأثير على نمو وتطور الصناعة الوطنية، ولعل أبرز مثال: صناعة السيراميك، ومواد البناء، والحديد، والصناعات الكهرومنزلية.

إن قرارات السيد رئيس الجمهورية ونظرته الثاقبة للقضايا الاقتصادية، ولإعادة تنظيم الاقتصاد الوطني، بأن لا نستورد إلا ما نحتاجه من سلع ومواد ومنتوجات وخدمات، والدفع نحو تشجيع الصناعة المحلية – التي لطالما كانت محل انتقاد من العديد من الدوائر الاقتصادية واللوبيات التي تحركها مصالح الشركات متعددة الجنسيات – والتي تريد أن تُبقي على هيمنتها على السوق الجزائرية، وتكريس التبعية، وتجعل من الجزائر سوقًا لتصريف منتجاتها بحجة تحرير التجارة ورفع القيود والحواجز الجمركية.

إن القرارات التي اتخذتها الجزائر من أجل المصلحة الاقتصادية الوطنية، مهما كانت أشكال الحماية التي طبقتها، تؤكد مرة أخرى صوابية القرارات ضد توجهات الهيمنة الاقتصادية والنيوليبرالية العالمية، والتي دحضتها قرارات ترامب الأخيرة، والتي منطلقها المصلحة الاقتصادية لأمريكا.