ترأس رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الأحد 22 جوان 2025، اجتماع عمل خُصّص لوضع اللمسات الأخيرة على مرسوم تنفيذي طال انتظاره، يخص فئة لطالما عانت من التهميش في النشاط التجاري: صغار المستوردين، المعروفين شعبيا بتجار “الكابة”. وبهذا القرار، تدخل الجزائر مرحلة جديدة في ضبط تجارة الاستيراد المصغّر، وتحويلها من نشاط غير قانوني إلى جزء معترف به في النسيج الاقتصادي الوطني.
ظلّ نشاط الاستيراد المصغّر لسنوات طويلة يُصنّف ضمن الاقتصاد الموازي، حيث كان ممارسوه يعانون من غياب الصفة القانونية، وخطر الحجز والعقوبات، رغم مساهمتهم في تلبية حاجيات المواطنين اليومية بأسعار تنافسية. وجاءت تعليمات الرئيس تبون لتقلب المعادلة، بمنح هؤلاء صفة أعوان اقتصاديين، وإدماجهم في منظومة المقاول الذاتي.
هذه المبادرة عكست توجها استراتيجيا للدولة نحو تنظيم التجارة الخارجية، دون تقييدها. فبدل أن يُنظر إلى هذه الفئة باعتبارها مخالفة، أصبح يُنظر إليها كفاعل اقتصادي يمكن توجيهه وتطويره ضمن أطر قانونية.
وتعد بطاقة المقاول الذاتي المدخل الأساسي لهذا التحوّل، إذ تمنح لحامليها مزايا ضريبية واجتماعية، مع نسبة ضريبة لا تتجاوز 0.5%، ما يخلق مناخا جاذبا لتقنين النشاط دون إثقال كاهل الشباب بالتزامات معقدة.
لا تداخل مع المستوردين الكبار
والمعلوم أن تنظيم السوق لا يعني تداخل الأدوار. فالرؤية التي طرحتها رئاسة الجمهورية تعتمد على الفصل الواضح بين نشاط الاستيراد المصغّر، الذي يتم برؤوس أموال صغيرة وكميات محدودة، ونشاط المستوردين الكبار الذين يستوردون سلعا ضخمة باسم شركات وعلامات تجارية.
اللجنة التي أمر بتشكيلها الرئيس تبون، برئاسة الوزير الأول، ستتولى تحديد المواد المسموح بها لهذه الفئة من التجار. وهو إجراء يضمن أن يبقى النشاط في حجمه الطبيعي، موجّها لتلبية احتياجات السوق دون أن ينافس المشاريع الاستثمارية الكبرى أو يعرقل التجارة النظامية.
هذا التنظيم سيتيح لتجار “الكابة” ممارسة نشاطهم بأريحية قانونية، دون الخوف من الحجز أو المتابعات، وفي الوقت ذاته يضعهم أمام مسؤولياتهم الضريبية والتنظيمية، بما ينسجم مع التوجه العام للدولة نحو تقليص حجم الاقتصاد الموازي.
مكاسب مزدوجة
وترسيخ نشاط الاستيراد المصغّر ضمن القنوات الرسمية يعني أكثر من مجرد تقنين. فهو يسحب البساط من السوق الموازية، التي طالما شكلت مصدر استنزاف للموارد العمومية، ومجالا للفوضى والمضاربة وغياب الجودة. كما أن إدماج آلاف الشباب في السوق النظامية يفتح أمامهم آفاقا جديدة للتطور، وربما التحوّل لاحقا إلى مستثمرين نظاميين.
من جهة أخرى، تُعتبر هذه الخطوة رسالة واضحة من الدولة مفادها أنها لا تقف ضد المبادرات الفردية، بل تسعى لتأطيرها وتطويرها. وهو ما أكدته جمعية التجار والحرفيين، التي ثمّنت القرار باعتباره خطوة نحو دعم الاستثمار الصغير، وتشجيع الشباب على دخول السوق من الباب القانوني.
والأهم من كل ذلك، أن هذه الإجراءات تخلق دخلا مشروعا لفئة اجتماعية واسعة، وتعزّز ثقافة المقاولة والعمل القانوني، وهو رهان لا يقل أهمية عن دعم المؤسسات الكبرى.
الدولة ليست ضد أبنائها
القراءة الاقتصادية لهذا التوجه تؤكد أن الجزائر بصدد رسم سياسة استيراد أكثر دقة وتوازنا، تتيح تعدد الفاعلين الاقتصاديين دون فوضى. ووفق ما صرح به خبراء جزائريون، فإن الدولة تسعى لتنظيم عملية الاستيراد وليس الحدّ منها، وذلك بما يضمن تلبية حاجيات السوق من جهة، ويمنع تهريب العملة أو التلاعب بالأسعار من جهة أخرى.
كما شدد الخبراء في تصريحات منفصلة لوسائل اعلام محلية على أن إدماج تجار “الكابة” ضمن نظام المقاول الذاتي يمثل خيارا ذكيا، حيث يوفر تغطية اجتماعية، ويحولهم إلى دافعي ضرائب، دون أن يثقلهم بأعباء غير واقعية. كما أن تحديد المواد المستوردة مسبقا سيمنع أي تجاوز أو تداخل مع المستوردين الكبار.
وبهذه الخطوة، تؤكد الدولة أنها ليست خصما لهؤلاء الشباب، وإنما شريك في تطوير قدراتهم وتحويل نشاطهم إلى رافد من روافد الاقتصاد الوطني، ضمن رؤية شاملة للانتقال من الفوضى إلى النجاعة.