يشكل المعرض الإفريقي للتجارة البينية 2025 الذي ستحتضنه الجزائر في سبتمبر المقبل محطة مفصلية في مسار العمل الاقتصادي القاري، لما يحمله من رسائل سياسية واقتصادية تعكس التحولات الجارية في إفريقيا.
هذا الحدث، الذي يجمع أكثر من 2000 عارض من 75 دولة وباستثمارات مرتقبة تتجاوز 44 مليار دولار، يرسخ طموح الجزائر في لعب دور ريادي في قيادة التكامل الاقتصادي الإفريقي، مستندة إلى إرثها النضالي وخبرتها في العمل القاري المشترك، وقدرتها على الجمع بين الفاعلين الاقتصاديين وصناع القرار في منصة واحدة.
الجزائر، التي كانت على مدى عقود سندا لحركات التحرر الإفريقية، تدرك اليوم أن معركة الاستقلال السياسي لا تكتمل دون استقلال اقتصادي حقيقي، وأن طريق التحرر يمر عبر بناء شراكات متوازنة وتعزيز التجارة البينية. من هنا تأتي استضافتها لهذه الطبعة الرابعة من المعرض كخطوة عملية لترجمة هذا الوعي إلى مشاريع ملموسة، حيث تلتقي إرادة التحرر مع متطلبات التنمية في فضاء واحد يسعى إلى تقليص التبعية للأسواق الخارجية وفتح آفاق أوسع للتعاون القاري.
التحضيرات التي تسبق انطلاق المعرض تكشف حجم الاهتمام الذي توليه السلطات الجزائرية لإنجاح هذا الموعد، إذ يحظى بدعم سياسي مباشر من أعلى هرم الدولة، وتعاون وثيق مع مؤسسات إفريقية كالبنك الإفريقي للاستيراد والتصدير ومفوضية الاتحاد الإفريقي. هذه الديناميكية تترجم التزام الجزائر بتوفير كل الظروف الملائمة لإنجاز اتفاقيات وشراكات، ما يعزز الثقة في قدرتها على تحويل هذه التظاهرة من مجرد حدث تجاري إلى منصة استراتيجية قادرة على إحداث أثر مستدام في الاقتصاد الإفريقي.
تصريحات شخصيات إفريقية وازنة، على غرار الرئيس النيجيري الأسبق أولوسيجون أوباسانجو، جاءت لتؤكد هذه الثقة، إذ اعتبر أن الجزائر تملك الرؤية والإرادة لقيادة مسار التحرر الاقتصادي في القارة. مثل هذه الإشادات تمنح الحدث بعدا إضافيا، وتسلط الضوء على أن نجاحه سيكون له صدى يتجاوز إبرام الصفقات، ليشكل نقطة تحول في الوعي الإفريقي بأهمية التكامل الاقتصادي كخيار استراتيجي لمواجهة التحديات العالمية.
هذا المعرض يجمع تحت سقف واحد صانعي القرار والمستثمرين ورواد الأعمال، ما يتيح تبادل الخبرات وتأسيس مشروعات مشتركة يمكن أن تساهم في خلق قيمة مضافة حقيقية داخل الدول الإفريقية. ومن خلال موقعها الجغرافي المتميز الذي يربط شمال القارة بجنوبها، وخبرتها في تنظيم الفعاليات القارية، تستطيع الجزائر أن تكون الجسر الذي يعزز الترابط بين مختلف أقاليم إفريقيا.
نجاح المعرض الإفريقي للتجارة البينية 2025 سيكون اختبارا لقدرة إفريقيا على تحويل طموحاتها إلى إنجازات اقتصادية واقعية. وإذا استطاعت الجزائر، بدعم شركائها، أن تحقق الأهداف المرسومة لهذا الحدث، فإنها ستسهم في إرساء أسس مرحلة جديدة من التعاون القاري، يكون عنوانها الاستقلالية في القرار الاقتصادي والمصالح المشتركة التي تعود بالنفع على شعوب القارة جميعها.