تشهد المبادلات التجارية بين الجزائر وفرنسا واحدة من أصعب مراحلها خلال السنوات الأخيرة، حيث كشفت معطيات حديثة عن انهيار غير مسبوق في صادرات المنتجات الزراعية والغذائية الفرنسية نحو الجزائر خلال النصف الأول من سنة 2025، في ظل استمرار الفتور السياسي بين البلدين وما رافقه من انعكاسات مباشرة على المبادلات الاقتصادية.
الأرقام الصادرة عن الجمارك الفرنسية أظهرت تراجعاً حاداً في الصادرات الفرنسية نحو الجزائر، إذ انخفضت قيمة المنتجات الزراعية والحيوانية من 300.1 مليون يورو في النصف الأول من 2024 إلى 4.2 ملايين يورو فقط في الفترة نفسها من 2025، أي بنسبة تراجع بلغت 98.6%. كما هوت صادرات منتجات الألبان والآيس كريم من 62.5 مليون يورو إلى 2.6 مليون يورو، أي بانخفاض قدره 95.8%، ما شكل صدمة للفاعلين الفرنسيين في هذا القطاع، خصوصاً أن الجزائر كانت خلال العقد الأخير سوقاً رئيسية لمنتجات الألبان بقيمة سنوية تقارب 200 مليون يورو.
هذا التراجع الكبير انعكس على ميناء روان، أحد أهم الموانئ الفرنسية لتصدير الحبوب، حيث أكد جان فرانسوا ليبي، المدير العام لشركة Soufflet Négoce، أن الطلب الجزائري شبه متوقف، ما أدى إلى خسائر ضخمة تُقدر بنحو 300 مليون يورو لقطاع الحبوب الفرنسي، واصفاً الوضع بالخسائر “الهائلة”. وأضاف أن الميناء فقد أحد أبرز زبائنه، مشيراً إلى أن الحمولة الموجهة سابقاً للجزائر باتت تُحوّل نحو وجهات أخرى مثل المغرب ومصر والصين.
ويرى متابعون أن الأزمة الحالية لم تقتصر على قطاع الحبوب فقط، بل شملت منتجات حيوية أخرى مثل اللحوم والألبان، ما دفع الفاعلين الفرنسيين إلى البحث عن بدائل عاجلة لأسواقهم التقليدية. أما الأرقام الإجمالية للتجارة بين البلدين، فقد أظهرت انخفاضاً بنسبة 12.3% خلال النصف الأول من 2025 مقارنة بنفس الفترة من 2024، حيث بلغت المبادلات 4.8 مليارات يورو فقط، مع تسجيل تراجع في واردات الجزائر من فرنسا بنسبة 12.9%، وفي صادراتها نحو باريس بنسبة 11.8%.
في المقابل، تعكس هذه التطورات تحولات جذرية في السياسة الاقتصادية الجزائرية التي اتجهت نحو تعزيز الإنتاج المحلي، خصوصاً في قطاع الحبوب. فقد أطلقت الجزائر برنامجاً ضخماً يستهدف إرواء مليون هكتار في الجنوب، ونجحت لأول مرة في تحقيق الاكتفاء الذاتي في القمح الصلب، فيما لا تزال تعمل على تقليص الفجوة في القمح اللين. كما تم إطلاق مشاريع لبناء مرافق تخزين جديدة وتعبئة موارد لوجستية كبيرة لضمان نجاح مواسم الحصاد.