إنجاز ضخم… مشروع القرن غار جبيلات يدخل مرحلة التصنيع الفعلي

طاقة ومناجم

يوشك مشروع غار جبيلات العملاق، أحد أكبر مشاريع استغلال خام الحديد في العالم، على دخول مرحلة التحوّل الفعلي من منجمٍ واعد إلى محرّك صناعي ضخم، مع اقتراب استلام أولى وحدات المعالجة والتحويل في شهر أفريل 2026. هذا الموعد المرتقب لا يرمز فقط إلى انطلاق الإنتاج، بل إلى نقطة تحوّل مفصلية في مسار الصناعة المنجمية الجزائرية، التي تخطو بثبات نحو التحرّر من التبعية للأسواق الخارجية وبناء منظومة إنتاجية متكاملة تضع البلاد في قلب خارطة الحديد العالمية.

وحدة المعالجة الأولى… انطلاقة التشغيل الفعلي للمشروع

تُعدّ الوحدة الأولى لمعالجة وتحويل خام الحديد في غار جبيلات العصب الحيوي لانطلاقة المشروع، إذ تمثل الحلقة التي ستربط بين استخراج الخام وتحويله إلى منتوج جاهز للتصنيع المحلي.

ومن المنتظر أن تدخل هذه الوحدة حيز الخدمة في شهر أفريل 2026، لتكون بذلك اللبنة الأولى في مسار التصنيع المنجمي الوطني، بعد سنوات من التحضيرات والدراسات التقنية والتجارب التشغيلية التي مهّدت لهذا الموعد الحاسم.

هذه الخطوة تأتي تتويجا لجهود هندسية متواصلة، راعت أعلى معايير الجودة والفعالية الصناعية لضمان تحويل الخام إلى مركزات حديد تلبي احتياجات السوق الوطنية بانتظام وجودة.

ويُعوَّل على هذه الوحدة لتكون بمثابة النواة الأولى لقاعدة تحويل وطنية، تُمكّن الجزائر من الاستفادة المثلى من خامها المحلي بدل تصديره خاما كما كان في السابق.

ومع دخولها حيز التشغيل، ستنطلق مرحلة جديدة تتجاوز مجرد الاستخراج إلى التصنيع والتثمين، ما سيُعيد رسم خريطة الصناعة الحديدية في الجزائر، ويمنحها موقعًا تنافسيًا في السوق الإقليمية والعالمية للحديد والصلب.

شراكة جزائرية-تركية… ميلاد وحدة إنتاجية بطاقة مليوني طن

وتمثل الوحدة الثانية لمعالجة خام الحديد ثمرة شراكة جزائرية-تركية بين مجمع سونارام ومجمع توسيالي، لتجسيد رؤية صناعية عابرة للحدود تدمج الخبرة المحلية بالكفاءة التقنية الدولية.

وستُقام هذه الوحدة في المنطقة الصناعية ببشار، بطاقة إنتاجية ضخمة تصل إلى مليوني طن سنويًا من مركزات الحديد، ما يجعلها واحدة من أبرز المنشآت التحويلية في إفريقيا.

وقد أُسندت أشغال إنجازها إلى المجمع الصيني “سينوستيل”، بما يعكس الطابع المتعدد الأطراف للمشروع الذي يجمع بين الجزائر وتركيا والصين في نموذج تعاون اقتصادي وصناعي متكامل.

ويُنتظر أن تدخل هذه الوحدة حيز التشغيل خلال النصف الثاني من سنة 2026، لتُشكل إضافة نوعية لمسار تحقيق الاكتفاء الذاتي من المادة الأولية وتخفيض فاتورة الاستيراد بشكل ملموس.

ومع اكتمالها، ستتحول بشار إلى قطب صناعي منجمي جديد في الجنوب الغربي للبلاد، بما يعزز قدرات الجزائر على التصنيع المحلي، ويُمهّد الطريق لتوسيع طاقتها الإنتاجية في الصناعات الحديدية والميتالورجية، ضمن مسار متدرج يرسخ التحول من بلد مُستورد إلى بلد مُنتج ومُصدّر.

الخط المنجمي الجنوب-غربي… شريان يربط الثروة بالانتاج

كما يمثل الخط المنجمي الجنوب-الغربي الحلقة المفصلية في منظومة مشروع غار جبيلات، إذ سيتكفل بنقل خام الحديد من موقع الاستغلال إلى وحدات المعالجة والتحويل، مما سيضع حداً للتحديات اللوجيستية ويؤسس لمرحلة جديدة من التكامل الصناعي.

ويُنتظر أن يتم استلام هذا الخط الحيوي قبل نهاية السنة الجارية، بعد أن بلغت وتيرة الأشغال مراحلها الأخيرة في ظل متابعة ميدانية مكثفة.

هذا الإنجاز يُعد خطوة استراتيجية نحو بناء شبكة نقل معدنية متطورة، تضمن انسيابية الإنتاج وتسريع عمليات الإمداد لمختلف الوحدات الصناعية المرتبطة بالمشروع.

ويُعتبر هذا الخط شريانًا حيويًا سيسمح بتحويل خام الحديد المستخرج من أعماق الصحراء إلى مادة أولية جاهزة للتصنيع داخل التراب الوطني، دون الحاجة إلى المرور عبر الموانئ أو الاعتماد على سلاسل التوريد الخارجية.

ومع دخوله الخدمة، ستتحول منطقة تندوف وبشار إلى مركز ديناميكي في خريطة النقل المنجمي الوطني، مما يعزز من جاذبية المنطقة للاستثمارات ويُكرّس التكامل بين الجنوب المنتج والشمال الصناعي، في رؤية وطنية شاملة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي الصناعي والتحرر التدريجي من التبعية للأسواق الخارجية.