بقلم: بوحوص بوشيخي – خبير اقتصادي
شهد العالم عبر تاريخه الحديث قيام تكتلات اقتصادية إقليمية، سواء في صيغتها التقليدية خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، أو في صيغتها الجديدة التي برزت خلال النصف الثاني من ثمانينياته. وقد ارتبط إنشاء هذه التكتلات بجملة من العوامل التي تدفع دولة ما أو مجموعة من الدول إلى بناء تكتل اقتصادي أو الانضمام إلى آخر قائم قصد تحقيق أهداف محددة. ومن أبرز التكتلات التي تحتل موقعًا بارزًا اليوم نجد الاتحاد الأوروبي، واتفاقية منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، ومنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (أبيك). هذه التكتلات بين الدول المتقدمة فرضت نفسها على الساحة الدولية بفعل تأثيرها الكبير على النظام الاقتصادي العالمي وهيمنتها على التجارة. وإفريقيا بدورها لم تشذ عن هذه القاعدة، إذ عمل الاتحاد الإفريقي على إنشاء عدة تكتلات إقليمية، أبرزها منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA).
بدأت التحضيرات الأولى لهذه الاتفاقية في عام 2013، ثم انطلقت المفاوضات في 2015 عبر قمم الاتحاد الإفريقي، ليُعقد أول منتدى تفاوضي في فبراير 2016 تلاه ثمانية اجتماعات إلى غاية قمة مارس 2018 في كيغالي. وخلال الفترة الممتدة بين 2016 و2018، نشطت مجموعات الأعمال التقنية في مناقشة الجوانب التفصيلية للمسودة. وفي 21 مارس 2018، جرى التوقيع على الاتفاق المؤسس لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، إلى جانب إعلان كيغالي وبروتوكول حرية الحركة. وقد التحقت دول أخرى لاحقًا بالتوقيع خلال قمة نواكشوط، ليصل العدد الإجمالي إلى 44 دولة من أصل 55. وتفرض الاتفاقية مبدئيًا إزالة الرسوم الجمركية عن 90٪ من السلع، ما يفتح الباب لزيادة التجارة البينية الإفريقية بنسبة 52٪.
الجزائر لم تتأخر في الانضمام، حيث وقعت رسميًا على الاتفاق يوم 1 نوفمبر 2021، لتؤكد التزامها بمسار التكامل القاري. كما عملت بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية الإفريقية على بلورة استراتيجية شاملة للنهوض بالاقتصاد القاري وتشجيع التبادل التجاري البيني. ومن أهم الخطوات في هذا السياق المشاركة في إطلاق منصة الدفع والتسوية الإفريقية (PAPSS) التي أعلن عنها البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير (أفريكسم بنك) في يناير 2022 بأكرا – غانا، بمساهمة البنك المركزي المصري وعدد من البنوك الإفريقية.
هذه المنصة جاءت لتجاوز واحدة من أكبر العقبات أمام التجارة الإفريقية وهي الاعتماد على العملات الأجنبية. حيث يتيح النظام الجديد للشركات إنجاز تعاملاتها بالعملات المحلية لكل دولة، مع توفير تسوية فورية وآمنة. وقد ضخ بنك “أفريكسم بنك” استثمارات كبيرة في البنية التكنولوجية للمنصة لضمان سرعة المعاملات وحمايتها. وقد أثبتت PAPSS نجاحها في غرب إفريقيا من خلال تسهيل الحوالات والتعاملات التجارية بين الشركاء.
ويتوقع بنك “أفريكسم بنك” أن تنضم ما بين 15 و20 دولة إلى المنصة مع نهاية 2025 أو مطلع 2026. وتتم عملية التسوية وفق آلية دقيقة تبدأ من إصدار الشركة أمر الدفع إلى البنك المحلي أو مزود الخدمة، ثم تمر عبر البنك المركزي للبلد نحو PAPSS، الذي يقوم بالتحقق قبل إرسالها إلى بنك المستفيد المركزي، ليجري التسوية بالعملة الصعبة باستعمال Afreximbank كوكيل تسوية. هذا الإطار الإفريقي المشترك يعزز فرص التكامل، ويوفر أرضية قوية لتوسيع الصادرات.
وفي هذا السياق، تستعد الجزائر لتوظيف هذه الديناميكية القارية لتعزيز صادراتها وتنويعها، بما يسمح بإنعاش الصناعة الوطنية وتحقيق هدف استراتيجي يتمثل في بلوغ عائدات تقدر بـ15 مليار دولار سنويًا خارج قطاع المحروقات، وهو ما يمثل نقلة نوعية في مسار بناء اقتصاد متوازن ومستدام.