الجزائر ورهان التجارة البينية: التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي كفرصة للنمو

بعيون الخبراء معرض IATF

بقلم: الدكتور خالد بومخيلة – أستاذ جامعي متخصص في تكنولوجيات الاعلام والاتصال

تقف أفريقيا اليوم عند مفترق طرق اقتصادي حاسم. وتظل مواردها الهائلة وإمكاناتها البشرية غير مستغلة بالشكل الكافي بسبب الحواجز المستمرة أمام التجارة داخل المنطقة، ووفقاً للتقارير الأخيرة، تظهر التجارة البينية الأفريقية، رغم تواضعها مقارنة بإمكانياتها علامات مشجعة للنمو، ففي عام 2024، بلغت قيمة المبادلات التجارية 208 مليارات دولار مسجلة نموا بلغ 7,7%، ومع ذلك، لا تزال تمثل نحو 16% فقط من إجمالي المبادلات التجارية للقارة، في المقابل، تفتح منطقة التجارة الحرة للقارة الأفريقية آفاقًا جديدة لتعزيز التكامل، حيث يقدّر البنك الدولي أن التطبيق الكامل لهذه الاتفاقية قد يزيد التجارة الداخلية بأكثر من 50% في سوق أفريقية قيمتها الإجمالية نحو 3 تريليونات دولار.

التحديات البنيوية والفرص الضائعة

هذه الطموحات بتعزيز التجارة البينية يصطدم في الواقع بحواجز هيكلية كبيرة، فالكثير من دول القارة تعاني نقصًا في البنية التحتية (طرق وموانئ) مما يزيد كلفة النقل ويعقّد التبادل التجاري، إلى جانب ذلك، تُثقل الإجراءات الجمركية المعقدة والتشريعات المتباينة هذه العقبات، بينما تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة صعوبة في التمويل ونقصًا في المعلومات، وتقدّر بعض الدراسات أن قيمة الفرص التصديرية غير المحققة داخل أفريقيا تتجاوز 77 مليار دولار.

التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي كمحفّزين

يُعَدّ التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي من محفّزات النمو المهمة في أفريقيا اليوم، فالانتشار السريع للإنترنت والهواتف المحمولة يفتح آفاقًا لخلق وظائف جديدة وتخفيف الفقر، وقد أحدثت منصات الدفع عبر الهاتف المحمول ومراكز البيانات نقلة نوعية في التجارة الإلكترونية والخدمات المالية، في حين تساعد التطبيقات الرقمية في مجالات الزراعة والصحة والتعليم على تحسين الإنتاجية والجودة، ومع استيعاب هذه الفرص، تعمل الحكومات الأفريقية على رقمنة الخدمات العامة وتطوير تطبيقات ذكاء اصطناعي محلية لمواجهة التحديات، إلى جانب تبنّي سياسات لتنظيم الفضاء الرقمي وحماية المستخدمين من المحتوى الضار والجرائم الإلكترونية.

الجزائر بوصفها بوابة للتكامل الاقتصادي

تربط الجزائر شمال أفريقيا بأسواق جنوب الصحراء، وقد سعت في السنوات الأخيرة إلى تعميق علاقاتها التجارية مع بقية القارة، فقد تضاعفت صادرات الجزائر إلى أفريقيا تقريبًا في العقد الماضي، وعزّزت الجزائر وضعها الإقليمي عبر استضافتها فعاليات تجارية أفريقية، حيث تعمل البلاد بنشاط على تعزيز علاقاتها التجارية مع الدول الأخرى في القارة، ويشكل استضافة المعرض التجاري الأفريقي الرابع (IATF 2025) في الجزائر العاصمة هو شهادة على هذا الالتزام الذي يهدف إلى تعزيز التبادلات ووضع الجزائر كلاعب رئيسي، علاوة على ذلك، فإن قرار الجزائر بالانضمام إلى منطقة التجارة لقارة أفريقيا يؤكد التزامها بتسريع اندماجها الاقتصادي مع القارة، وبلغة الأرقام، فإن حجم تجارة الجزائر مع الشركاء الأفارقة نحو 4,6 مليار دولار، وهي تمثل حصة 2.2%، من إجمالي التجارة البينية الأفريقية بزيادة طفيفة عن 1.9% في عام 2022، وفقا لتقرير التجارة الأفريقية 2025.

استراتيجية وطنية للتحول الرقمي

تنطلق طموحات الجزائر من استراتيجية وطنية شاملة تحت اسم «الجزائر الرقمية 2025 2030». ترتكز هذه الرؤية على خمسة محاور: بناء بنية تحتية رقمية قوية، وتوسيع برامج التدريب التقني، وربط الخدمات الحكومية بالإنترنت (الحكومة الإلكترونية)، وتعزيز ثقافة الابتكار، وتحفيز ريادة الأعمال في القطاع التقني، وقد انعكس هذا التوجه عمليًّا في تحسن مؤشرات استخدام الإنترنت؛ إذ تقدّمت الجزائر عالميًّا في تصنيفات تكنولوجيا المعلومات نتيجة لانتشار أوسع للإنترنت. وفي 2021 أطلقت الجزائر أيضًا استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي بهدف تنويع اقتصادها وبناء قدرات وطنية في هذا المجال، بما في ذلك استحداث برامج جامعية متخصصة وتأسيس مراكز بحثية ريادية لتعزيز تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

الجزائر كمركز تكنولوجي قاري

لا تكتفي الجزائر بتطوير بنيتها الرقمية داخليًّا، بل تسعى لأن تكون مورِّدًا للحلول التقنية في القارة. فالخبراء والشركات الجزائرية يطوِّرون منصات وخدمات رقمية مُخصّصة للسوق الأفريقية: من بوابات حكومية إلكترونية وتطبيقات صحية وتعليمية إلى أنظمة لوجستية وتعزيز زراعي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتهدف الجزائر أيضًا إلى تيسير التجارة عبر الدعوة إلى مواءمة الأنظمة الرقمية الحدودية، مثل إنشاء منصات تجارة إلكترونية عابرة للحدود وأنظمة دفع عبر الهاتف المحمول قابلة للتشغيل البيني، هذه المبادرات من شأنها أن تسهم في تنويع الاقتصاد الوطني وتوطيد اندماجه مع الاقتصادات الأفريقية.

المكاسب المشتركة

يعود هذا التوجه الرقمي بمنافع مزدوجة، فمن جهة، الجزائر تستفيد بتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط والغاز، عبر تأسيس قطاع برمجيات وخدمات رقمية يفتح أسواقًا جديدة ويخلق وظائف تقنية، كما يشجع هذا القطاع نشوء روّاد أعمال مبتكرين. بالمقابل، تستفيد الدول الأفريقية من أدوات رقمية تُسهّل التجارة البينية؛ فالتجارة الإلكترونية واللوجستيات الذكية تُقلل تكاليف المعاملات وتمكّن الشركات الصغيرة من الوصول إلى أسواق أكبر. وتتواكب هذه المنافع مع فوائد اجتماعية أوسع، فمثلاً تُمكِّن الخدمات الرقمية مثل الطب والتعليم عن بُعد والدفع الإلكتروني المجتمعات النائية من الحصول على خدمات حيوية بسهولة أكبر.

التعاون والابتكار مفتاح المستقبل

تُظهر المتغيرات بوضوح أن مستقبل التجارة البينية الأفريقية مرهون بالتحول الرقمي والتكامل التقني. وتبرز الجزائر، بموقعها الاستراتيجي وبرنامجها الرقمي الطموح، كقائد محتمَل لهذا التحول، فمن خلال الاستثمار في البنية التحتية للنطاق العريض وتنمية الكفاءات الرقمية وتصدير الحلول التقنية، يمكن للجزائر تنويع اقتصادها وخلق فرص عمل محلية مع تسريع اندماج الاقتصاد القاري. إن المكاسب متبادلة: فالجزائر تكتسب اقتصادًا أكثر مرونة وتنويعًا، بينما تكتسب أفريقيا روابط تجارية أقوى ونموًا أكثر شمولية، مما يمهّد الطريق نحو قارة أفريقية أكثر ترابطًا وازدهارًا.