لم يكن تدشين مصنع لتركيب المحركات بولاية عين مليلة حدثًا عابرًا في مسار الاستثمار الصناعي، بقدر ما مثّل لحظة انتقالية تفتح الباب أمام قراءة مختلفة لمستقبل صناعة السيارات في الجزائر.
المصنع، في جوهره، لا يكتسب أهميته من لحظة الإعلان عنه، بل من الأسئلة التي يطرحها حول ما يمكن أن يتغيّر بعد دخوله حيّز النشاط، وكيف سينعكس ذلك على سوق ظلّ لسنوات رهين اختلالات التزويد والتبعية الخارجية.
في هذا السياق، دخل مصنع M.L.H.B. Engine بعين مليلة مرحلة التشغيل كوحدة صناعية متخصصة في تركيب المحركات، مستفيدًا من اعتماد رسمي من شركة DFM – Dongfeng Motor Corporation الصينية، وبقدرة إنتاجية أولية تُقدَّر بنحو 100 محرك يوميًا.
المشروع، الذي يُعد من بين الأنشطة النادرة وطنيًا في هذا المجال، انطلق بتوفير عشرات مناصب الشغل المباشرة، مع برنامج توسّع تدريجي يهدف إلى رفع وتيرة الإنتاج وتعزيز حضوره في السوق المحلية.
بعد هذه المرحلة التأسيسية، يبدأ التأثير الفعلي للمصنع في الظهور على مستوى الزمن الصناعي. فتوفر محركات معتمدة محليًا يعني، عمليًا، تقليص آجال التزويد التي كانت مرتبطة بالاستيراد، وتخفيف فترات التوقف التي عانى منها المهنيون، خصوصًا في قطاع المركبات النفعية. هنا، لا يتعلّق الأمر برقم إنتاجي فقط، بل بإعادة ضبط إيقاع السوق بما يتماشى مع حاجياته اليومية.
وعلى المدى القريب، يُنتظر أن ينعكس هذا التحوّل بشكل مباشر على نشاط النقل والخدمات اللوجستية، حيث تشكّل استمرارية تشغيل المركبات عنصرًا حاسمًا في استقرار سلاسل التوزيع. فوجود وحدة إنتاج داخل الوطن يوفّر حلاً عمليًا لمهنيين كانوا مضطرين سابقًا للتعامل مع تأخيرات طويلة وتكاليف إضافية، ويمنحهم هامشًا أكبر للتخطيط والتوسّع
ومع مرور الأشهر، يتجاوز أثر المصنع حدود نشاطه المباشر، ليمتد إلى محيط صناعي أوسع. فتركيب المحركات يفتح المجال أمام طلب متزايد على التكوين التقني، والصيانة المتخصصة، وتموين القطع الفرعية، ما يخلق ديناميكية جديدة في النسيج الصناعي المحلي، قائمة على التخصص والتكامل بدل الاعتماد على نشاط واحد معزول.
بعد عام من الآن، قد لا يُقاس نجاح المصنع بعدد المحركات المركّبة فقط، بل بعدد الأنشطة التي تشكّلت حوله، وحجم سلاسل القيمة التي بدأ بنسجها. فالصناعة الحقيقية لا تتجسّد في لحظة التدشين، بل في قدرتها على خلق أثر تراكمي ومستدام، يحوّل الاستثمار من خبر عابر إلى مسار اقتصادي طويل النفس.
بهذا المعنى، لا يبدو مصنع عين مليلة مجرد إضافة جديدة إلى قائمة المشاريع الصناعية، بل إشارة هادئة إلى تحوّل أعمق في مقاربة توطين صناعة السيارات، حيث يبدأ البناء هذه المرة من الداخل، من القلب، لا من الواجهة.



