في قراءة جديدة لمسار الاقتصاد المصري، تعكس أحدث نتائج استطلاع أجرته وكالة بلومبرغ تحوّلا لافتا في نظرة المحللين إلى وتيرة التعافي، حيث ارتفعت توقعات النمو مقارنة بالتقديرات السابقة، مدفوعة بأداء اقتصادي أقوى من المنتظر خلال الأشهر الماضية، رغم استمرار الضغوط التضخمية كعامل مقلق في الأفق القريب.
ووفق الاستطلاع الذي شمل 14 اقتصاديًا، يُتوقع أن يسجل الاقتصاد المصري نموًا بنسبة 4.4% خلال عام 2025، على أن يتسارع إلى 4.7% في 2026، في تحسن واضح مقارنة بتوقعات سابقة كانت أكثر تحفظًا.
هذا التعديل الصعودي يعكس تقييمًا أكثر إيجابية لمسار التعافي، خصوصًا بعد تسجيل نتائج قوية في النصف الأول من العام، بدعم من تحسن استقرار سوق الصرف وتأثير الإصلاحات الاقتصادية، إضافة إلى التدفقات المالية المرتبطة بحزمة الدعم المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي.
وتبرز الأرقام الفصلية كعامل حاسم في هذا التحول، إذ سجل الاقتصاد المصري خلال الربع الثالث من العام الجاري نموًا بنسبة 5.3%، وهو أعلى معدل منذ ثلاث سنوات ونصف، مدعومًا بانتعاش إيرادات قناة السويس، وتحسن أداء قطاعي السياحة والصناعات التحويلية، في وقت واصل فيه قطاع الاستخراجات تسجيل انكماش.
كما أنهت قناة السويس سلسلة تراجع طويلة، بعدما حققت نموًا في الإيرادات بنسبة 8.6% خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر، في إشارة إلى عودة تدريجية لدورها كمصدر حيوي للنقد الأجنبي.
هذا المسار الإيجابي يتقاطع مع تقييم صندوق النقد الدولي، الذي وصف أداء الاقتصاد المصري في النصف الأول من العام بأنه أفضل من التوقعات، ما دفعه إلى رفع تقديراته لنمو الاقتصاد خلال السنة المالية 2025-2026 إلى 4.5%، في خطوة تعكس ثقة متزايدة في قدرة الاقتصاد على تجاوز مرحلة الضغوط الحادة التي عرفها خلال السنوات الأخيرة.
ورغم هذا التحسن، لا تزال جبهة الأسعار تمثل التحدي الأبرز، إذ أظهر الاستطلاع خفض توقعات التضخم للعام الحالي إلى 14.5%، مقابل رفع توقعات العام المقبل إلى 12.3%، ما يشير إلى أن مسار التراجع التضخمي سيكون بطيئًا وغير خالٍ من التقلبات.
فقد تباطأت وتيرة التضخم في المدن المصرية خلال نوفمبر، مدفوعة بضعف نمو أسعار الغذاء والمشروبات، وهو ما حدّ من أثر زيادات أكبر في بنود أخرى بسلة المستهلك.
ويأتي ذلك بعد مرحلة تضخم غير مسبوقة بلغت ذروتها عند 38% في سبتمبر 2023، قبل أن يبدأ المؤشر في التراجع تدريجيًا عقب توقيع حزمة الإنقاذ المالي في مارس 2024 مع صندوق النقد الدولي، وهي الحزمة التي ساهمت في تهدئة الضغوط السعرية واستعادة قدر من الاستقرار النقدي، دون أن تُنهي التحديات بالكامل.
بهذا المعنى، يبدو الاقتصاد المصري مقبلًا على مرحلة نمو أكثر توازنًا، تتقدم فيها مؤشرات التعافي بثبات، لكنها تظل مشروطة بقدرة السياسات الاقتصادية على احتواء التضخم وضمان استدامة التحسن في القطاعات المحركة للنمو.



