دروس الدعم: ظاهرة اقتصادية أم انعكاس لتحديات المنظومة التعليمية؟

بعيون الخبراء

أكد عبد المجيد سجال، الكشاف الاقتصادي والباحث في السياسات الاقتصادية والاقتصاد والتسيير العمومي، في تصريح للجريدة الالكترونية “سهم ميديا”، أن النقاشات حول قرار توقيف دروس الدعم وموقف المجتمع منها تُعالج الأعراض بدلًا من التصدي للمرض الجذري. ودعا إلى تحليل الظاهرة بعمق وبنظرة كرونولوجية.

وأوضح سجال أن المجتمع الجزائري كان في الماضي أكثر تقاربًا في مستوى المعيشة، حيث كانت أجرة المعلم كافية لتلبية احتياجاته والمساهمة في مصاريف العائلة الممتدة. إلا أنه بعد التسعينيات، بدأت الفوارق الاجتماعية تتسع، مما دفع المعلم نحو الاستقلال الاجتماعي ورفع مستوى حاجياته. وأشار إلى أن هذه التطورات أدت إلى ضعف الرضا الوظيفي لدى المعلم نتيجة غياب الحوافز اللازمة لتقديم خدمة بجودة عالية.

وأضاف أن تزايد أعداد السكان والأطفال المتمدرسين، بالتزامن مع مجانية التعليم وغياب الحوافز، أسهم في تراجع جودة التعليم. وأشار إلى أن المجتمع بدأ يركز على تحصيل العلامات المرتفعة بدلًا من تطوير التفكير النقدي والمواهب لدى الأطفال، مما أدى إلى ربط جودة التعليم بالنتائج وليس بالمخرجات الفعلية.

وأكد أن ظاهرة الدروس الخصوصية نشأت نتيجة لهذه الفجوة بين الطلب المجتمعي وما يقدمه التعليم العمومي. حيث بدأت هذه الدروس في الغاراجات قبل أن تتحول إلى نموذج أعمال يدر أرباحًا كبيرة عبر مؤسسات متخصصة. ونتيجة لذلك، زادت مداخيل بعض المعلمين، بينما وجدت الأسر نفسها تتحمل أعباء مالية إضافية لتغطية تكاليف هذه الدروس، ما أدى إلى انحياز تدريجي للمعلمين نحو القطاع الخاص الأكثر جاذبية.

وأشار سجال إلى أن المجتمع طبع مع هذه الظاهرة في ظل غياب تدخل رسمي جاد يركز على جودة التعليم بدلًا من كميته، مشددًا على أن الحل لا يكمن في منع الدروس الخصوصية، بل في إصلاح شامل للعملية التعليمية.

وأوضح أن الإصلاح المطلوب يجب أن يتضمن تبني سياسة التأمين التعليمي التي تتيح حدًا أدنى من التعليم المجاني للجميع وحدًا تكميليًا بتسعير معقول، مع خلق منافسة بين المدارس الحكومية والخاصة. ولفت إلى أن هذا النظام سيحفز المعلمين على تحسين مهاراتهم، ويشجع المواطنين على البحث عن الجودة، مع ضمان التعليم التكافلي المجاني للطبقات الفقيرة.

وأكد سجال على ضرورة تغيير المناهج الدراسية بشكل جذري من التعليم التلقيني إلى التعليم الترفيهي والتجريبي الذي يركز على مواهب وملكات الطلاب. كما شدد على أهمية إدراج التكوين المهني تدريجيًا بدءًا من المرحلة المتوسطة وصولًا إلى التكوين التقني.

واختتم بالقول إن غياب الجودة في القطاع العام والمجتمع الذي يسد هذه الفجوة، ومعلمين غير محفزين، ومجتمعًا يقدس العلامات والشهادات، يستدعي التفكير بحلول عملية بعيدة عن العاطفة، لضمان نظام تعليمي أكثر توازنًا وفعالية.