تسعى الجزائر إلى تعزيز حضورها في مسار التحول الطاقوي من خلال إدراج الطاقة النووية كخيار استراتيجي على المدى البعيد. وحسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن الجزائر تُصنّف ضمن الدول التي باشرت مرحلة الدراسات التمهيدية لإطلاق برنامجها النووي، بما يعكس رغبتها في تنويع مصادر الطاقة وضمان أمنها الطاقوي، في وقت يعرف فيه العالم ضغوطا متزايدة لتقليص الانبعاثات الكربونية والتحول نحو بدائل مستدامة.
هذه الخطوة تأتي في سياق إفريقي واسع يشمل ما يقارب 20 دولة تعمل على دراسة أو تنفيذ مشاريع نووية. ورغم أن الجزائر لا تزال في مرحلة الجدوى، إلا أن اهتمامها بالملف يُعتبر امتدادا لاستراتيجيتها في الاستثمار في الطاقات المتجددة والطاقات البديلة، بما يواكب التغيرات العالمية ويعزز استقلاليتها الطاقوية. ويُرتقب أن تشكّل هذه المرحلة قاعدة لانطلاق خطوات تنفيذية مستقبلية إذا ما توفرت الظروف التقنية والمالية والسياسية المناسبة.
على مستوى القارة، تبقى جنوب إفريقيا الدولة الوحيدة التي تمتلك محطة نووية عاملة حتى الآن، من خلال منشأة “كوبيرغ”، فيما تُعد مصر الأكثر تقدما في المشاريع الجديدة، حيث تواصل العمل على محطة “الضبعة” الضخمة التي تضم أربعة مفاعلات بقدرة إجمالية تصل إلى 4800 ميغاواط، وبميزانية تقارب 30 مليار دولار بتمويل روسي. ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل أول مفاعل بحلول عام 2028، ما يجعل القاهرة نموذجا متقدما في استغلال الطاقة النووية بالقارة.
إلى جانب ذلك، تعمل كل من غانا وكينيا ونيجيريا على دخول مرحلة الإنشاء، حيث تقوم هذه الدول بتحضيرات فنية وتعاقدية في انتظار القرار السياسي النهائي. أما المغرب، فيصنف حاليا ضمن المرحلة الأولى، أي مرحلة الدراسات التمهيدية، وهو وضع مشابه للجزائر التي تسعى بدورها إلى استكشاف الجدوى الاقتصادية والتقنية لمثل هذا المشروع الطموح.
كما يُسجل اهتمام متزايد من دول أخرى مثل تونس، رواندا، السنغال، النيجر، السودان، أوغندا وزامبيا، التي بدأت خطوات أولية في دراسة إمكانية إدماج الطاقة النووية ضمن استراتيجياتها الطاقوية، فيما ما تزال تسع دول أخرى في مرحلة “ما قبل البداية”، دون أي خطوات عملية على الأرض.
هذا الزخم الإفريقي المتنامي لم يغب عن أنظار الشركات الكبرى المتخصصة، حيث تبرز أسماء مثل “روس آتوم” الروسية، “إي دي إف” الفرنسية، “كيبكو” الكورية الجنوبية، والمؤسسة الصينية الوطنية للطاقة النووية التي تقود السوق العالمية بعد أن أطلقت سبعة مشاريع من أصل تسعة على مستوى العالم خلال عام واحد. وهو ما يعكس سباقا دوليا محموما ترى فيه الدول الإفريقية فرصة لتعزيز أمنها الطاقوي، فيما تضع الجزائر نفسها ضمن قائمة الطامحين إلى الاستفادة من هذه الديناميكية القارية.