تشهد العلاقات الاقتصادية بين الجزائر والبرازيل دفعة قوية مع إبرام اتفاق جديد يفتح السوق الجزائرية أمام استيراد الأغنام الحية من البرازيل.
القرار، الذي أعلن يوم 19 أوت الجاري وفق ما نقلته وكالة الأنباء البرازيلية العربية (ANBA)، يمثل منعطفًا جديدًا في مسار التعاون الزراعي والغذائي بين البلدين. فبعد أن اقتصر التبادل سابقًا على استيراد اللحوم الطازجة والمجمدة، ها هي الجزائر تتجه نحو تنويع مصادرها وتوسيع قنوات التموين بمواشي حية، وهو ما وصفه الجانب البرازيلي بـ”فرصة تجارية كبرى”.
هذا التطور يضع التعاون الجزائري–البرازيلي في سياق جديد يتجاوز العقود الماضية التي كان يغلب عليها الطابع التقليدي في التجارة الثنائية. فمع توجه الجزائر نحو تنويع اقتصادها وتأمين تموينها الغذائي، تبرز هذه الخطوة كجزء من رؤية أوسع تقوم على تعزيز التعاون جنوب–جنوب وبناء شراكات أكثر تنوعًا واستدامة.
اللافت أن الجزائر، خلال عيد الأضحى الأخير، كانت قد استوردت مليون رأس غنم من رومانيا وإسبانيا، ما يجعل الانفتاح على البرازيل خيارًا استراتيجيًا من شأنه تنويع العرض وموازنة الأسعار، مع ما يحمله من بعد سياسي يكرس الصداقة التاريخية بين البلدين.
الجزائر تتحول إلى رابع مستورد عالمي للحوم البرازيلية
من أبرز المؤشرات الدالة على قوة الشراكة الاقتصادية بين الجزائر والبرازيل، القفزة الكبيرة في واردات الجزائر من اللحوم البرازيلية. فوفق الأرقام المعلنة، استوردت الجزائر في شهري جانفي وفيفري 2025 ما يقارب 15,900 طن من لحوم الأبقار البرازيلية، بزيادة وصلت إلى 199% في الحجم و254% في القيمة مقارنة بعام 2024.
هذا التطور جعل الجزائر في ظرف سنتين فقط تنتقل من المرتبة الـ40 عالميًا إلى المرتبة الرابعة كأكبر مستورد للحوم البرازيلية، لتصبح أيضًا الزبون العربي الأول لهذا المنتج. وهو ما يعكس حجم الطلب المتزايد في السوق الجزائرية ونجاح البرازيل في تثبيت موقعها كمصدر أساسي للجزائر.
ويرتبط هذا التوجه مباشرة بجهود الجزائر لضبط أسعار اللحوم في السوق المحلية، وضمان تموين مستقر يوازن بين الإنتاج المحلي والاستيراد، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى حلول عملية لتأمين الأمن الغذائي.
طفرة في صادرات الأسمدة الجزائرية نحو البرازيل
إلى جانب ملف اللحوم والمواشي، تشهد صادرات الجزائر من الأسمدة نحو البرازيل نموًا لافتًا جعلها إحدى ركائز التبادل التجاري بين البلدين. فبحسب بيانات غرفة التجارة العربية–البرازيلية، بلغت قيمة الأسمدة الجزائرية المصدرة إلى البرازيل بين جانفي وأفريل 2025 ما قيمته 54.6 مليون دولار، بزيادة قدرها 44.2% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
هذا الارتفاع الكبير يعكس تحول الأسمدة إلى ثاني أهم منتج جزائري يدخل السوق البرازيلية بعد النفط، ما يبرز مساعي الجزائر لتنويع صادراتها وتعزيز قيمة منتجاتها خارج المحروقات. ويأتي ذلك في وقت تسعى فيه البرازيل، كأحد أكبر المنتجين الزراعيين في العالم، إلى ضمان مصادر متنوعة وموثوقة لتأمين احتياجاتها من الأسمدة.
كما لم تقتصر الطفرة على الأسمدة فقط، بل شملت أيضًا صادرات الجزائر من الملح والكبريت ومواد البناء، التي ارتفعت بنسبة 175.8%، وهو ما يؤكد ديناميكية جديدة في التبادل التجاري، رغم تسجيل تراجع عام بنسبة 21.9% في إجمالي المبادلات خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2025.
تعاون يتجاوز الاقتصاد نحو التحالف السياسي
العلاقات الجزائرية–البرازيلية لا تقتصر على الاقتصاد فقط، بل تتوسع لتشمل أبعادًا سياسية ودبلوماسية. فالبلدان يشتركان في الدفاع عن التعددية القطبية، ورفض التدخلات الخارجية، والدعوة إلى نظام اقتصادي أكثر عدالة يراعي مصالح بلدان الجنوب.
هذا التقارب يجد صداه في تصريحات السفير البرازيلي بالجزائر، ماركوس فينيسيوس بينتا غاما، الذي أكد أن “الجزائر والبرازيل بلدان كبيران من الجنوب تجمعهما صداقة عميقة ورؤية مشتركة للمستقبل”. وهي رسالة توضح أن مسار الشراكة بين الجانبين يتجاوز مجرد التبادل التجاري، ليصبح جزءًا من مشروع سياسي–اقتصادي متكامل.
في ظل التوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، تبدو الجزائر والبرازيل مصممتين على استثمار مكانتهما الإقليمية والدولية لبناء محور جنوبي أكثر قوة، ما يجعل من هذه العلاقة نموذجًا حيًا لشراكات جنوب–جنوب الطموحة.