اعتبر زكريا ربيعي، المختص في مجال ريادة الأعمال، في حديثه لـ”سهم ميديا”، أن عام 2025 يمثل لحظة مفصلية بالنسبة لمستقبل القطاع الصناعي الجزائري، خاصة في ظل التحولات الأخيرة التي عرفها المشهد الاقتصادي المحلي والدولي.
وأشار زكريا ربيعي إلى أن القطاع الصناعي الجزائري يمر بمرحلة دقيقة، حيث تتقاطع فيها تحديات داخلية طويلة الأمد مع مستجدات مالية وتنظيمية طرأت في الآونة الأخيرة. وقال: “رغم الجهود وبوادر الاصلاحات الا أن القطاع لا يزال مثقل منذ سنوات باختلالات هيكلية، وعقبات بيروقراطية، وسياسات غير مستقرة”.
وأوضح أن قانون المالية لعام 2025 يعكس تحولًا في الأولويات الاقتصادية، مع تراجع واضح في الدعم المخصص للصناعة، وهو ما قد يفاقم الصعوبات التي تعترض طريق هذا القطاع، خصوصًا في غياب رؤية استراتيجية طويلة المدى.
وأضاف أن هذا التراجع في الدعم يتجلى في تقليص التمويلات الموجهة لتحفيزات التصنيع، ودعم الطاقة، ومشاريع التحديث الصناعي، في وقت تواجه فيه المؤسسات الصناعية تحديات تتطلب مرافقة حقيقية.
وأكد أن السياسات التي شُرع في تنفيذها في السنوات الأخيرة، رغم أهميتها، إلا أنها “غالبًا ما تفتقر إلى التنسيق والرؤية المستدامة”، ما يضع المؤسسات في بيئة أعمال غير مستقرة يصعب فيها التخطيط للمستقبل.
وشدد على أن “الابتعاد عن دعم الصناعة قد يجعل من عام 2025 عامًا حاسمًا، ليس بالضرورة للنمو، بل ربما للبقاء”، داعيًا إلى التفكير العميق في سبل الحفاظ على المكتسبات ومرافقة المؤسسات المنتجة.
المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تحت الضغط
وبيّن المتحدث أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تُعد العمود الفقري للنسيج الصناعي، تواجه ضغوطًا متزايدة جراء تعقيد الإجراءات ونقص التمويل وارتفاع تكاليف الامتثال، مشيرًا إلى أنها “تُعاني بشكل خاص من اضطرابات سلاسل التوريد وغياب التمويلات المرنة”.
وأكد أن “محاولات فرض قيود على الواردات بهدف تشجيع الإنتاج المحلي لم تؤتِ ثمارها بعد”، بل ساهمت في خلق ندرة في المواد الأولية الضرورية للمصنّعين المحليين، ما ينعكس سلبًا على استمرارية النشاط.
وأضاف: “بدلًا من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وجدت الشركات نفسها أمام صعوبات حقيقية في تأمين حاجياتها الأساسية”، الأمر الذي يقلل من تنافسيتها مقارنة بمصانع أجنبية تنشط في بيئات أكثر استقرارًا وانفتاحًا.
وأشار إلى أن غياب آليات تمويل واضحة وفعالة للمؤسسات الناشئة والصغرى يجعلها عاجزة عن التأقلم مع متغيرات السوق، موضحًا أن العديد منها أصبح يواجه صعوبات في البقاء أكثر من التفكير في التوسع.
ودعا في هذا السياق إلى معالجة العراقيل التي تثقل كاهل هذه المؤسسات، خاصة تلك المتعلقة بالإجراءات البيروقراطية والولوج إلى المواد الخام، حتى تتمكن من لعب دورها المحوري في الاقتصاد الوطني.
إصلاحات مرنة لتصحيح المسار
واقترح زكريا ربيعي مجموعة من الإجراءات التي من شأنها تحسين مناخ الأعمال وتعزيز فرص التعافي الصناعي، مؤكدًا أن “إصلاحات عاجلة أصبحت ضرورية لإنقاذ الصناعة من الانكماش المحتمل”.
وأوصى بإعادة تقديم الدعم الموجّه للصناعات الإستراتيجية، وتخفيف قيود الاستيراد على المدخلات الصناعية الضرورية، باعتبارها خطوات أولية لتعزيز القدرات الإنتاجية المحلية وضمان استقرار السوق.
كما دعا إلى “إزالة الحواجز البيروقراطية أمام المصنّعين، وتبسيط الإجراءات البنكية الخاصة بهم”، معتبرًا أن هذه العوائق تمثل تحديات يومية تعرقل تطور الصناعة الوطنية.
وأكد كذلك على أهمية إدخال نظام مؤجل لدفع الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة، وهو ما سيسمح بتحسين التدفقات المالية للمؤسسات وتخفيف الضغط عن ميزانياتها.
وشدد على أن “الصناعة الجزائرية لا تزال تملك مقومات النجاح، لكن الحفاظ عليها يتطلب مراجعة هادئة وعملية للسياسات الراهنة”، مشددًا على أن سنة 2025 لا يجب أن تكون نهاية، بل بداية تصحيح حقيقي للمسار.