يتم العمل على إطلاق واحدة من أكبر سلاسل الإنتاج المنجمي في تاريخ الجزائر، مع تقدّم أشغال مشروع غار جبيلات الذي يتحول تدريجيا إلى قطب صناعي ضخم يمتد عبر ثلاث ولايات من الجنوب الغربي: تندوف، بشار والنعامة.
المشروع، الذي يُعد أحد أهم رهانات البلاد لتقليص فاتورة الواردات وتعزيز الإنتاج الوطني في الصناعات الحديدية، يسير بخطى ثابتة نحو دخول أولى وحداته مرحلة الإنتاج خلال الثلث الأول من سنة 2026.
وتشير المعطيات الرسمية التي كشف عنها جمال الدين شوتري، رئيس ديوان كاتبة الدولة المكلفة بالمناجم، إلى أنّ ولاية تندوف ستكون نقطة الانطلاق الفعلية لهذا التحول الصناعي.
ففيها ستدخل أول وحدة لإنتاج ومعالجة الحديد الخام حيّز الخدمة بطاقة إنتاجية تُقدر بأربعة ملايين طن سنويًا، كمية ستضخ مباشرة في السوق الوطنية لتغطية جزء معتبر من الطلب المحلي.
هذه الخطوة الأولى ستُساهم في تقليص الواردات تدريجيًا، وتمهّد للانطلاق الفعلي لسلسلة تحويل وطنية تعتمد على مورد محلي ضخم.
وفي السياق نفسه، يتواصل العمل بالتوازي على تجهيز وحدة ثانية في ولاية بشار، بالشراكة مع مجمّع طوسيالي، وهو شريك صناعي يمتلك خبرة كبيرة في الحديد والصلب.
هذه الوحدة ستُشكل حلقة متقدمة في مسار التحويل، وسترفع مستقبلاً حجم الإنتاج الوطني وتدعم قدرة الجزائر على تلبية احتياجات السوق من المنتجات الحديدية نصف المصنّعة والجاهزة.
أما الحلقة الثالثة والأكبر في هذه السلسلة الصناعية، فستكون في ولاية النعامة، حيث يُنتظر إطلاق وحدة جديدة لإنتاج كريات الحديد (Pellets)، وهي مادة نصف مصنّعة تستعمل عالمياً في صناعة الصلب وتتمتع بطلب مرتفع في الأسواق الدولية.
الطاقة الإنتاجية لهذه الوحدة قد تصل إلى ستة ملايين طن سنوياً، مما يجعلها أكبر وحدة من نوعها في البلاد وذات قدرة تنافسية إقليمية.
ويؤكد شوتري أنّ ملف وحدة النعامة جاهز وينتظر الاعتماد النهائي من مجلس الوزراء، مرفوقًا بخطة تعبئة مالية تعتمد إما على استثمارات مباشرة أو شراكات صناعية كبرى.
ويُتوقع أن يشكل هذا المشروع نقطة جذب هامة للاستثمارات بالنظر إلى طبيعته الاستراتيجية وارتباطه بمواد عالية القيمة المضافة.
وتُراهن الجزائر، من خلال الوحدات الثلاثة، على بناء صناعة حديد وطنية متكاملة تعتمد على تكنولوجيات مبتكرة وتقطع مع سنوات الاعتماد على الخارج.
فالمشروع لا يكتفي باستخراج خام الحديد فقط، بل يتجه نحو تحويله محلياً إلى منتجات وسيطة ونهائية، ما يعزز السيادة الصناعية ويقلص من فاتورة الاستيراد التي ظلت تثقل الاقتصاد لسنوات.
ويُفترض أن يُحدث هذا المشروع، الممتد على مساحة جغرافية واسعة بين ولايات الجنوب الغربي، ديناميكية اقتصادية جديدة تشمل خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، تطوير البنية التحتية، وجلب مستثمرين عالميين نحو قطاع التعدين والتحويل.
ومع دخول الوحدات الثلاثة حيّز الإنتاج الكامل، تتطلع الجزائر إلى تموقع جديد في أسواق الحديد الإقليمية، قائمة على إنتاج محلي واسع وقدرة تنافسية متنامية.



