اختار رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أن يوجّه بوصلة السياسة المالية نحو المواطن أولا، مؤكدا أن قانون المالية لسنة 2026 لن يتضمن أي زيادات تُرهق القدرة الشرائية أو تُثقل كاهل الجزائريين.
هذا التوجيه يعكس إصرار الدولة على حماية الجيوب من أي ارتدادات تضخمية أو جبايات إضافية، ويكرّس منطقا جديدا في إعداد الموازنات العامة، يقوم على العدالة الاجتماعية والنجاعة الاقتصادية بدل اللجوء إلى الحلول السهلة التي اعتادت كثير من الدول تبنّيها في الأوقات التي تتزايد فيها التحديات الاقتصادية عالميا.
القدرة الشرائية خط أحمر في قانون المالية 2026
شدّد رئيس الجمهورية على أنّ قانون المالية لسنة 2026 لن يتضمّن أيّ زيادات تمسّ القدرة الشرائية للمواطن، ليضع بذلك حدًا لأي إجراءات قد تُثقل كاهل الجزائريين أو تمسّ توازنهم المعيشي. هذا التوجيه الرئاسي جاء ليؤكد أنّ الاستقرار الاجتماعي خيار استراتيجي تلتزم به الدولة في ظل تقلبات الأسواق العالمية وضغوطات الأسعار التي تمس السلع الأساسية.
وبدل البحث عن حلول ظرفية أو زيادة الأعباء الجبائية، تفضّل الحكومة انتهاج سياسة مالية رشيدة، توازن بين حاجات تمويل التنمية ومتطلبات الحفاظ على السلم الاجتماعي، من خلال تثبيت الأسعار وتجنّب الضرائب غير الضرورية التي تمس مباشرة جيب المواطن.
ويأتي هذا القرار ليكرّس من جديد فلسفة الدولة الاجتماعية التي وضعتها الجزائر في صميم سياساتها العمومية، والمبنية على العدالة والإنصاف. ففي الوقت الذي تشهد فيه العديد من الدول موجات غلاء وتقليصا للدعم وتحريرا عشوائيا للأسعار، تراهن الجزائر على تسيير ذكي للموارد يُبقي المواطن في قلب الأولويات.
من التقشف إلى التسيير الذكي… حماية المواطن أولوية الدولة
وتتجه الجزائر اليوم نحو مقاربة جديدة أكثر واقعية وإنصافا، ترتكز على مبدأ “التسيير الذكي” بدل شدّ الأحزمة على حساب المواطن. فالرؤية المالية الجديدة التي أرساها رئيس الجمهورية وأعلن عنها في آخر لقاء اعلامي له مع الصحافة الوطنية، تقوم على حماية القدرة الشرائية كركيزة أساسية في بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، مع اعتماد آليات دقيقة لترشيد النفقات وتعظيم الموارد دون المساس بجيوب الجزائريين.
ويعكس هذا التحول العميق في فلسفة التسيير المالي إرادة سياسية واضحة لوضع المواطن في صلب القرار الاقتصادي. فبدل أن يكون الشعب هو من يدفع ثمن العجز، تُسخّر الدولة خبرتها ومؤسساتها لتقليص النفقات غير المنتجة، وتوسيع الوعاء الجبائي بطرقٍ عادلة، وتحسين الأداء الإداري والجبائي بما يضمن موارد إضافية دون ضرائب جديدة. إنها معادلة جديدة عنوانها: حماية الجيوب أولا، واستدامة التنمية ثانيًا.
موازنة اجتماعية بعيون اقتصادية… منطق جديد يرسم سياسات الإنفاق
وبينما تخلّت الحكومة نهائيا عن منطق التقشف الذي يُضحّي بالجانب الاجتماعي لصالح التوازنات المالية، تتجه اليوم نحو بناء موازنة متكاملة تراعي الحسّ الاجتماعي من جهة، وتستجيب لمتطلبات النمو الاقتصادي من جهة أخرى.
المقاربات الجديدة في إعداد قانون المالية لم تعد تنظر إلى الإنفاق العمومي كعبء، بل كاستثمارٍ في الاستقرار الاجتماعي والتنمية البشرية، إذ أثبتت التجارب أن المواطن ليس مجرد مستهلك للثروة، بل شريكٌ في صنعها متى ما توفرت له بيئة معيشية مستقرة وفرص اقتصادية عادلة.
هذا التوجه الجديد يرسم ملامح سياسة مالية أكثر واقعية وإنصافا، تُوازن بين العدالة الاجتماعية والانضباط المالي، وتُعيد ترتيب الأولويات بما يخدم المصلحة العامة ويُرسّخ الثقة بين المواطن والدولة.
وتعَدّ هذه الرؤية جزءا من التحول العميق الذي يشهده النموذج الاقتصادي الجزائري، والذي يربط بين الإصلاح المالي والعدالة الاجتماعية كركيزتين متكاملتين. فالموازنات المقبلة تقاس بالأرقام والعجز والفائض، وأيضا بمدى انعكاسها على حياة المواطن، واستجابتها لتطلعاته في تحسين القدرة الشرائية وضمان الخدمات الأساسية.