نفقات تتضاعف وإيرادات لا تكفي… اقتصاد المغرب على حافة الانهيار

المجهر

سجلت ميزانية المغرب عجزا ماليا بلغ نحو 55 مليار درهم، أي ما يعادل 6 مليارات دولار، خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، وفق بيانات رسمية صادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية.

هذا الرقم القياسي، الذي يمثل زيادة بـ36.8% مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، يعكس عمق الأزمة التي تعيشها المالية العمومية المغربية، ويطرح تساؤلات جدية حول فعالية السياسات الاقتصادية والخيارات الحكومية في مواجهة التحديات المتزايدة.

عجز قياسي في ميزانية المغرب يثير القلق

يشكل العجز المسجل في ميزانية المغرب، والبالغ 55 مليار درهم خلال سبعة أشهر فقط، ناقوس خطر حقيقي يهدد التوازنات المالية للبلاد. فالمعدل المرتفع، الذي يعادل نحو 6 مليارات دولار، يعكس اتساع الفجوة بين الإيرادات والنفقات بوتيرة غير مسبوقة، وهو ما جعل المغرب يتصدر قائمة الدول العربية التي تعاني من أكبر العجز المالي مقارنة بحجم اقتصادها.

ويعود تفاقم هذا العجز، بحسب تقارير اقتصادية، إلى اختلالات هيكلية مزمنة في المالية العمومية، نتيجة غياب استراتيجيات فعالة لضبط الميزانية وترشيد الإنفاق. فبدلًا من تقليص الفوارق، أظهرت الأرقام الرسمية أن الفجوة المالية تتعمق عامًا بعد عام، ما يعكس فشل السياسات الحكومية في إيجاد حلول ناجعة.

ويثير هذا الوضع قلق الأوساط الاقتصادية والاجتماعية، نظرًا لتداعياته المباشرة على الاستقرار المالي والقدرة على تمويل المشاريع التنموية. فاستمرار العجز بهذه الوتيرة يهدد مالية الدولة ويضع مستقبل الاقتصاد المغربي برمته أمام تحديات صعبة قد تعمّق من هشاشته داخليًا وخارجيًا.

النفقات تتضخم بوتيرة أسرع من الإيرادات

وتكشف بيانات وزارة الاقتصاد والمالية المغربية أن النفقات العمومية ارتفعت إلى نحو 281.7 مليار درهم مع نهاية يوليو، مقابل 226.7 مليار درهم فقط من الإيرادات. هذه الأرقام تبرز بشكل واضح أن وتيرة نمو النفقات تجاوزت بكثير نمو الإيرادات، ما ساهم في تفاقم العجز المالي ووضع الخزينة تحت ضغوط إضافية.

ففي حين سجلت الإيرادات نموًا بنسبة 14.5%، قفزت النفقات بمعدل 18.2% خلال الفترة نفسها، وهو ما يعكس خللًا بنيويًا في إدارة المالية العمومية. فبدلًا من التحكم في المصاريف وترشيدها بما يتماشى مع موارد الدولة، واصلت الحكومة المغربية توسيع دائرة الإنفاق دون إيجاد مصادر تمويل كافية ومستدامة.

هذا التفاوت بين الإيرادات والنفقات يطرح تساؤلات حول أولويات السياسة المالية للمغرب، حيث أن الاستمرار في هذا النهج يفاقم الحاجة إلى الاقتراض ويزيد من عبء الديون. ومع غياب رؤية واضحة لضبط الميزانية، يجد الاقتصاد المغربي نفسه أمام معادلة صعبة بين تلبية الالتزامات المتزايدة وضمان الاستقرار المالي.

تحديات متزايدة أمام الاقتصاد المغربي

وأدى اتساع العجز المالي إلى تعميق التحديات التي تواجه الاقتصاد المغربي، خاصة فيما يتعلق بقدرة الدولة على تمويل مشاريعها التنموية. فكلما ارتفع العجز، زادت الحاجة إلى موارد إضافية، وهو ما يدفع الحكومة نحو الاقتراض الداخلي والخارجي، الأمر الذي يضاعف من عبء خدمة الدين ويحد من القدرة على توجيه الأموال إلى الاستثمار المنتج.

وتشير التقديرات إلى أن اللجوء المتكرر إلى القروض أصبح سلوكا متكررا يعكس هشاشة المنظومة المالية. هذا الوضع يضع المغرب أمام خطر تبعية متزايدة للأسواق العالمية والمؤسسات المالية الدولية، حيث تصبح القرارات الاقتصادية مرهونة بشروط هذه الجهات أكثر من ارتباطها بالسياسات الوطنية المستقلة.

كما أن استمرار هذه التحديات من شأنه أن ينعكس سلبًا على الوضع الاجتماعي، من خلال تقليص فرص العمل وتأجيل المشاريع ذات الطابع الاستراتيجي. ومع تزايد الضغوط الخارجية والداخلية، تبدو الحاجة ملحة لإصلاحات جذرية تعيد التوازن للاقتصاد المغربي وتضمن له القدرة على مواجهة الأزمات المستقبلية.

فشل السياسات الاقتصادية في كبح الأزمة

ورغم الشعارات التي ترفعها الحكومة المغربية بشأن الإصلاح والحوكمة الرشيدة، تكشف الأرقام الرسمية أن السياسات الاقتصادية الحالية لم تنجح في كبح العجز المالي أو في وضع مسار واضح للاستقرار. فالمؤشرات المتصاعدة للعجز وتضخم النفقات تؤكد أن الإجراءات المتخذة لا تتجاوز كونها حلولًا ظرفية تفتقد للفعالية على المدى الطويل.

ويتجلى هذا الفشل في التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن تنمية واستثمار واستقرار، وبين الواقع الاقتصادي الذي يظهر عجزًا قياسيًا وتراجعًا في القدرة على ضبط المالية العمومية. هذا التباين يضعف ثقة المواطن في السياسات الحكومية، ويثير تساؤلات حول مدى جدية الإصلاحات المعلنة.

ومع غياب خطط واقعية لمعالجة الاختلالات الهيكلية، يبدو أن الاقتصاد المغربي مرشح لمزيد من الأزمات، سواء على مستوى المالية العامة أو على مستوى التوازنات الاجتماعية. ومن دون إصلاحات جذرية وشاملة، فإن استمرار نفس النهج سيؤدي إلى اتساع الفجوة بين الطموحات المعلنة والواقع الميداني الذي يزداد تعقيدًا.