بعد 24 ساعة فقط من إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد GPT-5 من شركة “أوبن إيه آي”، تباينت الانطباعات بشكل لافت بين إشادة أكاديمية بقدراته المتقدمة في البرمجة والبحث وحل المشكلات المعقدة، وانتقادات من مستخدمين رأوا أنه لا يزال يعاني من اختلاق المعلومات وأخطاء في مسائل بسيطة. هذا الانقسام الحاد بين الإعجاب والتحفظات وضع النموذج تحت مجهر النقاش العام، وجعل يومه الأول اختباراً مبكراً لمدى نجاحه في تلبية توقعات المطورين والجمهور وسط منافسة شرسة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.
أعلنت شركة “أوبن إيه آي” عن إطلاق نموذجها الجديد والأكثر تطوراً للذكاء الاصطناعي “جي بي تي-5” (GPT-5)، في خطوة تعكس سعيها للحفاظ على ريادتها في ظل سباق محموم مع شركات أميركية وصينية.
وقد جاء الإعلان خلال فعالية مباشرة يوم الخميس، حيث استعرضت الشركة القدرات المتقدمة للنموذج في مجالات البرمجة، الكتابة الإبداعية، والتعامل مع الاستفسارات المعقدة.
وصف الرئيس التنفيذي سام ألتمان النموذج بأنه “تحديث كبير” مقارنة بالإصدارات السابقة، مؤكداً أنه سيمنح المستخدمين تجربة أشبه بالحوار مع “خبير حقيقي” في أي مجال. وأشارت الشركة إلى أن “GPT-5” أصبح متاحاً مجاناً لجميع مستخدمي “تشات جي بي تي”، على أن يحصل المشتركون في الحسابات المدفوعة وقطاعات التعليم والشركات على مزايا استخدام أكبر.
يأتي هذا التطوير بعد ثلاث سنوات من إطلاق “أوبن إيه آي” طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي عبر “تشات جي بي تي”، والذي بدأ مع نموذج “جي بي تي-3.5” وتطور لاحقاً إلى إصدارات أكثر قوة، ما عزز مكانة الشركة كأحد أبرز الفاعلين في هذا القطاع سريع النمو.
انطباعات متباينة في الساعات الأولى للإطلاق
منذ طرح “جي بي تي-5″، انقسمت ردود الفعل بين الإشادة والتحفظ. فقد أشاد بعض المطورين والمختبرين الأوائل بقدراته المحسّنة في البرمجة والمنطق، معتبرين أنه ترقية تستحق الاهتمام، حتى وإن لم تُحدث “قفزة جذرية” عن النماذج السابقة. المطور سيمون ويليسون وصفه بأنه “كفء ومثير للإعجاب أحياناً”، معترفاً في الوقت ذاته بأن التحسينات ليست ثورية.
على الجانب الآخر، عبر العديد من المستخدمين عن استيائهم من استمرار بعض المشكلات مثل اختلاق المعلومات، وصعوبة التعامل مع مسائل رياضية وإملائية بسيطة. الأكاديمي نوح جيانسيراكوزا من جامعة بنتلي وصف الإطلاق بأنه “مخيّب للآمال”، مشيراً إلى أن التحسينات كانت “محدودة أكثر مما كان متوقعاً”.
ويبدو أن جزءاً من هذه الانتقادات مرتبط بآلية التشغيل الجديدة للنموذج، إذ يعتمد “جي بي تي-5” على التبديل التلقائي بين مستويات مختلفة من النماذج تبعاً لنوعية الاستفسار، وهو ما قد يمنع المستخدم من التفاعل مع أقوى نسخة في جميع الحالات.
منافسة شرسة مع عمالقة الذكاء الاصطناعي
إطلاق “جي بي تي-5” يمثل خطوة استراتيجية في مواجهة المنافسة المتصاعدة من شركات أميركية وصينية، حيث تسعى “أوبن إيه آي” للحفاظ على موقعها الريادي وجذب المزيد من المستخدمين إلى خدماتها المميزة. وتستثمر الشركة بكثافة في استقطاب الكفاءات، وتطوير البنية التحتية، وبناء مراكز بيانات متقدمة لدعم توسع تقنياتها.
ورغم أن “جي بي تي-5” تصدر عدداً من الفئات على منصة “إل إم أرينا” لتقييم النماذج، إلا أن مؤشرات أخرى، مثل “ARC-AGI-2″، أظهرت تفوق نموذج “غروك” (Grok) التابع لشركة “إكس إيه آي” المملوكة لإيلون ماسك في بعض الاختبارات. هذا التباين في التصنيفات يعكس صعوبة تحديد أفضلية مطلقة بين النماذج المتقدمة.
في ظل هذه المنافسة، تراهن “أوبن إيه آي” على الحجم الكبير لقاعدتها الجماهيرية، إذ يقترب عدد مستخدمي “تشات جي بي تي” من 700 مليون أسبوعياً، ما يمنح الشركة فرصة لاختبار وتطوير النموذج بناءً على ملاحظات جمهور واسع ومتنوع.
إشادة أكاديمية وانتقادات على المنصات الاجتماعية
بينما أبدى خبراء وأكاديميون إعجابهم بقدرات “جي بي تي-5” في البحث العلمي وتبسيط البرمجة وابتكار نصوص عالية الجودة، كانت المنصات الاجتماعية مسرحاً لانتقادات لاذعة. الأستاذ إيثان موليك من جامعة بنسلفانيا وصف النموذج بأنه قادر على “إنجاز المهام أحياناً بشكل استثنائي وأحياناً بصورة غريبة”، معتبراً ذلك جزءاً من طابعه الفريد.
لكن في جلسة “اسألني أي شيء” على منصة “ريديت”، واجه سام ألتمان مطالبات بجعل عملية التبديل بين النماذج أكثر شفافية، وتوفير معلومات أوضح حول النسخة المستخدمة في الردود. وأكد ألتمان التزام الشركة بالاستجابة لهذه الملاحظات وتطوير آليات أكثر وضوحاً للمستخدمين.
تباين هذه الآراء، بين الإشادة الأكاديمية والانتقادات الشعبية، يعكس حقيقة أن الحكم على قيمة وأداء نموذج ذكاء اصطناعي متطور يتطلب وقتاً أطول من يوم أو يومين، خاصة في ظل التغير السريع لمتطلبات المستخدمين وتنوع حالات الاستخدام.