حرب الرسوم الجمركية بين الصين وأمريكا… من يملك اليد العليا؟

تقرير

تتصاعد المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين، في واحدة من أعنف الحروب الاقتصادية التي شهدها العالم خلال العقد الأخير، بعد أن فرضت واشنطن بقيادة الرئيس دونالد ترامب تعريفة جمركية بنسبة 10% على واردات صينية بقيمة 525 مليار دولار.

ردت الصين بخطوة مماثلة، لكنها جاءت غير متكافئة من حيث حجم وتأثير الرسوم المفروضة، حيث لم تتجاوز قيمة الواردات الأمريكية التي فرضت عليها بكين رسومًا جمركية 14 مليار دولار فقط.

ويوضح هذا الفارق الكبير مدى اعتماد الولايات المتحدة على الواردات الصينية، مقابل محدودية الصادرات الأمريكية إلى السوق الصيني، مما منح واشنطن اليد العليا في هذه الحرب التجارية.

الصين تحاول الرد… ولكن بقدرات محدودة

في محاولتها للرد على التصعيد الأمريكي، فرضت الصين تعريفات جمركية على مجموعة من المنتجات الأمريكية شملت الفحم، الغاز الطبيعي المسال، النفط الخام، المعدات الزراعية، السيارات ذات المحركات الكبيرة، وشاحنات البيك أب.

ومع أن هذه المنتجات تمثل قطاعات رئيسية في الاقتصاد الأمريكي، إلا أن التأثير الاقتصادي لهذه الخطوة يبقى محدودًا مقارنة بالضغط الذي تمارسه واشنطن على الاقتصاد الصيني. فالولايات المتحدة تعد الشريك التجاري الأكبر للصين، حيث تستورد منها سلعًا بعشرات المليارات من الدولارات سنويًا، بينما لا تصدر بكين إلى الولايات المتحدة بنفس الحجم.

هذا الخلل في الميزان التجاري جعل من السهل على واشنطن فرض عقوبات اقتصادية واسعة التأثير، في حين أن خيارات بكين كانت أكثر محدودية.

لكن الصين لم تكتفِ بالرد عبر فرض رسوم جمركية فقط، بل استخدمت تكتيكات أخرى لتقليل الاعتماد على الأسواق الأمريكية، مثل إبرام اتفاقيات تجارية جديدة مع دول آسيوية وأوروبية، وتعزيز سياسات التصنيع المحلي في بعض القطاعات الاستراتيجية، ما يشير إلى محاولة بكين على المدى الطويل لتقليل تأثير الحرب التجارية على اقتصادها.

تداعيات اقتصادية للحرب الجمركية

لم يكن لهذه الحرب تأثير داخلي على الصين وأمريكا فقط، حيث امتد ليؤثر على الاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد الدولية. فمع فرض الرسوم الجمركية المتبادلة، ارتفعت تكاليف الإنتاج في العديد من القطاعات، مما أدى إلى زيادة أسعار السلع في الأسواق العالمية، خاصة في المنتجات الإلكترونية، والأجهزة المنزلية، وقطع غيار السيارات، التي تعتمد على المكونات الصينية.

كما واجهت الشركات الأمريكية التي تصدر إلى الصين انخفاضًا في الطلب، حيث بدأت بكين بتقليل استيراد بعض المنتجات الزراعية الأمريكية مثل فول الصويا، وتحويل استيرادها نحو أسواق أخرى مثل البرازيل والأرجنتين.

في الولايات المتحدة، تأثرت القطاعات الزراعية والطاقة بشكل كبير، حيث فقد العديد من المزارعين الأمريكيين الأسواق الصينية التي كانت تمثل لهم أحد أهم المنافذ التجارية، مما دفع إدارة ترامب إلى تقديم حزم دعم حكومية لتعويض خسائر المزارعين.

من جهة أخرى، تأثرت بعض الشركات التكنولوجية الكبرى مثل آبل، وإنتل، وكوالكوم، بسبب زيادة تكاليف استيراد المكونات الصينية، مما دفع بعضها إلى البحث عن مصادر بديلة للتصنيع خارج الصين، مثل فيتنام والهند.

هل تستطيع الصين مواجهة الضغوط الأمريكية؟

رغم الفارق الكبير في حجم الرسوم الجمركية المفروضة، إلا أن الصين لا تزال تمتلك أدوات أخرى للرد. فمن ناحية، تسعى بكين إلى تعزيز العلاقات التجارية مع دول أخرى، خاصة في آسيا وأوروبا وإفريقيا، لتقليل اعتمادها على السوق الأمريكي.

كما تعمل على دعم قطاع التكنولوجيا المحلي، من خلال تحفيز الشركات الصينية على تقليل الاعتماد على المكونات الأمريكية، وهو ما ظهر في تطوير شركات مثل هواوي وعلي بابا لأنظمتها ومنتجاتها دون الحاجة إلى التقنيات الأمريكية.

ومن ناحية أخرى، يمكن للصين أن ترد عبر فرض قيود غير جمركية، مثل تشديد القوانين على الشركات الأمريكية العاملة في الصين، أو تقليل الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة، مما قد يضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد الأمريكي.

كما أن لدى بكين ورقة ضغط قوية وهي امتلاكها لكميات ضخمة من السندات الأمريكية، والتي إذا قامت ببيعها، قد تؤدي إلى اضطرابات في سوق المال الأمريكي.

الحرب التجارية بين القوتين العظميين… أي مستقبل؟

ويبقى السؤال الأهم: إلى أين تتجه هذه الحرب التجارية؟ في ظل استمرار التصعيد، من المتوقع أن تشهد العلاقة بين الصين والولايات المتحدة مزيدًا من التوترات الاقتصادية والسياسية. فبينما تسعى واشنطن إلى تقليص النفوذ الاقتصادي الصيني والحد من صعود بكين كقوة اقتصادية عالمية، تحاول الصين في المقابل بناء اقتصاد أكثر استقلالية وتقليل اعتمادها على الأسواق الأمريكية.

لكن استمرار هذه الحرب دون حلول تفاوضية قد يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي عالمي، وارتفاع الأسعار، وتقليل حركة التجارة الدولية، مما قد يدفع الطرفين في النهاية إلى إيجاد حلول وسطى لتجنب المزيد من الخسائر.

ومع ذلك، فإن هذه المواجهة هي جزء من معركة طويلة الأمد على الهيمنة الاقتصادية العالمية، حيث تحاول كل من واشنطن وبكين فرض رؤيتهما الاقتصادية على العالم، وإعادة تشكيل التوازنات التجارية لصالحهما.