تبرز الجزائر كأحد الفاعلين العرب الذين يتحركون بخطى واثقة نحو مستقبل الهيدروجين. فقد صنّف أمين عام منظمة أوابك، المهندس جمال عيسى اللوغاني، الجزائر ضمن قائمة خمس دول عربية تعمل على تطوير مشاريع فعلية لتصدير الهيدروجين ومشتقاته، إلى جانب سلطنة عمان، الإمارات، مصر، والسعودية.
وبينما اتجهت بعض هذه الدول نحو التصدير عبر ناقلات أو من خلال الأمونيا الخضراء، اختارت الجزائر التركيز على موقعها الجغرافي الإستراتيجي لبحث سبل نقل الهيدروجين إلى أوروبا عبر شبكات أنابيب الغاز.
وتضع هذه الرؤية الجزائر في موقع تنافسي مميز، خاصة وأنها تملك تجربة متقدمة في تصدير الغاز الطبيعي عبر أنابيب عابرة للمتوسط، ما يسهل تكييف جزء منها لنقل الهيدروجين.
ويتماشى هذا التوجه مع السياسات الأوروبية التي بدأت تضع الهيدروجين الأخضر في صلب إستراتيجياتها الطاقوية، وتبحث عن موردين مستقرين على المدى الطويل. وهنا تبرز الجزائر كخيار آمن وقريب وذي موثوقية، وهي عوامل باتت تحسم مستقبل الشراكات في سوق الطاقة الجديد.
ومع التحولات الجيوسياسية الأخيرة في أسواق الطاقة، فإن رهان الجزائر على الهيدروجين يندرج ضمن سياسة تنويع الصادرات وتقليل الاعتماد على النفط والغاز التقليدي، في ظل تقلبات الأسواق وارتفاع الضغوط البيئية على الدول المنتجة للوقود الأحفوري.
مشروع ممر الهيدروجين الجنوبي… البوابة الجزائرية نحو أوروبا
أحد أبرز المشاريع التي تضع الجزائر في واجهة المصدرين المحتملين للهيدروجين الأخضر هو مشروع ممر الهيدروجين الجنوبي. هذا المشروع الضخم يُقترح أن يمتد على طول 3,300 كيلومتر، انطلاقًا من شمال أفريقيا، وتحديدًا من الجزائر، وصولًا إلى الأسواق الأوروبية في كل من إيطاليا، والنمسا، وألمانيا.
وتكمن أهمية هذا المشروع في كونه يحظى بدعم رسمي من مشغّلي شبكات الغاز الأوروبية (TSOs)، وقد تم إدراجه كمشروع ذي اهتمام مشترك ضمن أجندة الاتحاد الأوروبي، ما يمنحه أولوية في التمويل والدعم اللوجستي والتقني.
وبهدف المشروع إلى نقل نحو 4 ملايين طن سنويًا من الهيدروجين إلى أوروبا بحلول عام 2030، وهي كمية تمثّل تحولًا نوعيًا في بنية العلاقات الطاقوية عبر المتوسط.
وما يعزز جدوى هذا المشروع هو إمكانية إعادة استخدام نحو 65% من البنية التحتية الحالية لخطوط الغاز والنفط، مما يقلل من كلفة الإنجاز ويختصر فترات التنفيذ. وهو ما يمنح الجزائر أسبقية مقارنة بدول أخرى تحتاج إلى بناء شبكة جديدة من الصفر.
وفي ظل تزايد الطلب الأوروبي على الهيدروجين منخفض الكربون، فإن مشروع ممر الهيدروجين الجنوبي يعد حجر زاوية في إعادة تشكيل خارطة العلاقات الطاقوية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، بعيدًا عن النمط التقليدي المعتمد فقط على تصدير الغاز الطبيعي.
مزايا تنافسية تؤهل الجزائر لريادة تصدير الهيدروجين
ومن مزايا الجزائر في سباق الهيدروجين، أنها تمتلك رصيدًا من البنية التحتية والخبرة في نقل وتسييل الغاز الطبيعي يمكن أن يُعاد توظيفه في مشاريع الهيدروجين. كما أن موقعها الجغرافي القريب من أوروبا يمنحها تفوقًا من حيث تقليل كلفة النقل والمسافة، وهما عاملان حاسمان في حسابات الجدوى الاقتصادية.
إضافة إلى ذلك، تحتل الجزائر موقعًا مشمسًا يجعلها مرشحة قوية لإنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة الشمسية، وهي طاقة متجددة متوفرة بكثرة في الصحراء الجزائرية. هذا ما يمنحها قدرة على إنتاج هيدروجين بتكلفة منخفضة وبكفاءة عالية، ما يعزز تنافسيتها في السوق العالمية.
الجزائر أيضًا عضو فاعل في المبادرات الدولية والإقليمية المعنية بالهيدروجين، وقد عبّرت أكثر من مرة عن رغبتها في جعل هذا المورد ضمن إستراتيجيتها الوطنية لتنويع الصادرات وتحقيق انتقال طاقوي متوازن. ويدعم هذا التوجه وجود إرادة سياسية لتطوير شراكات دولية في هذا المجال الحيوي.
وفي ظل التوجه العالمي نحو تقليص الانبعاثات، فإن الهيدروجين الأخضر يمثل فرصة للجزائر لولوج أسواق جديدة وأيضًا لتحديث نموذجها الاقتصادي القائم على تصدير المواد الخام، والانتقال إلى تصدير منتجات طاقوية نظيفة وذات قيمة مضافة.
سباق إقليمي نحو أسواق الطاقة النظيفة
ومن المفيد الإشارة إلى أن هذا السباق الاقليمي نحو تصدير الهيدروجين يأتي ضمن موجة عربية أوسع لاستثمار الفرص التي يتيحها هذا المصدر الجديد للطاقة النظيفة. فسلطنة عمان دشّنت أول ممر عالمي لتصدير الهيدروجين المسال، بينما بدأت مصر فعليًا تصدير الأمونيا منخفضة الكربون إلى الهند. أما السعودية، فتستعد لإنتاج 1.2 مليون طن سنويًا من الأمونيا من مشروع “نيوم”، فيما تقترح الإمارات حلولًا مبتكرة كتحويل الهيدروجين إلى مركب ميثيل سيكلوهكسان لتسهيل نقله.
لكن رغم هذه المبادرات، فإن الجزائر تحظى بميزة نادرة: القدرة على التصدير عبر الأنابيب مباشرة إلى أوروبا، وهو خيار أكثر استدامة وأقل كلفة على المدى الطويل مقارنة بالنقل البحري.
هذا السباق العربي نحو أسواق الطاقة النظيفة يعبّر عن إدراك إستراتيجي لأهمية التموضع في خارطة الاقتصاد الطاقوي الجديد، حيث يصبح من يمتلك الهيدروجين الأخضر شريكًا مفضلاً للأسواق الكبرى.
وفي هذا الإطار، تملك الجزائر فرصة حقيقية للعب دور محوري، كمصدر وكممر إقليمي لنقل الهيدروجين من أفريقيا إلى أوروبا، ما يعزز مكانتها الجيو-طاقوية في المرحلة القادمة.