تتجه العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نحو منعطف حاد وخطير بعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عزمه فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات الأوروبية.
في المقابل، لم تتأخر بروكسل في إعلان موقفها، حيث وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، هذا القرار بـ”الخطوة الخاطئة”، مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي لن يقف مكتوف الأيدي وسيرد بحزم وسرعة. هذه التصريحات تعكس تصاعد التوترات بين القوتين الاقتصاديتين، ما ينذر بمواجهة قد تهدد استقرار التجارة العالمية.
منذ تولي ترامب الرئاسة، تبنت إدارته سياسة “أمريكا أولًا” التي تقوم على مراجعة الاتفاقيات التجارية القائمة، بهدف تقليص العجز التجاري الأمريكي وتعزيز الإنتاج المحلي.
ولكن هذه السياسة تسببت في سلسلة من الصراعات التجارية مع الصين وحلفاء تقليديين مثل الاتحاد الأوروبي. واليوم، يجد الأوروبيون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع واشنطن، في معركة جديدة تتمحور حول الرسوم الجمركية، حيث يرى ترامب أن النظام التجاري الحالي يمنح أوروبا امتيازات غير عادلة، مستشهدًا بـضريبة القيمة المضافة الأوروبية كمثال على الإجراءات التي تعيق التجارة الحرة.
المواجهة تجاوزت التجارة الى النفوذ والسيادة الاقتصادية. أوروبا التي لا تزال تعاني من تبعات التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي، تدرك أن فرض رسوم جمركية أمريكية سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الصادرات الأوروبية، ما سيؤثر سلبًا على القطاعات الصناعية، خاصة صناعة السيارات الألمانية، والمنتجات الفاخرة الفرنسية، والآلات الثقيلة الإيطالية.
ومن هنا، جاء الرد الأوروبي سريعًا وحاسمًا، حيث أكدت فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي لن يتردد في اتخاذ إجراءات انتقامية، ما يعني أننا قد نشهد حربًا تجارية مفتوحة بين الجانبين.
في ظل هذه التوترات، تبقى التساؤلات مفتوحة حول مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على مواجهة هذا التحدي. فبينما تعتمد بعض دول الاتحاد، مثل فرنسا وألمانيا، على السوق الأمريكية كمستهلك رئيسي للمنتجات الأوروبية، فإن الرد بفرض رسوم جمركية مضادة قد يؤدي إلى ركود اقتصادي، في وقت تعاني فيه أوروبا من أزمات متتالية، بدءًا من ارتفاع تكاليف الطاقة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وصولًا إلى التضخم الذي يثقل كاهل المستهلك الأوروبي.
لكن في المقابل، فإن الولايات المتحدة ليست في وضع مثالي يسمح لها بخوض معركة اقتصادية طويلة الأمد. ففرض رسوم جمركية إضافية سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار داخل السوق الأمريكية، ما قد يعمّق الأزمة التضخمية التي يحاول الاحتياطي الفيدرالي السيطرة عليها عبر رفع أسعار الفائدة.
وكما أشارت فون دير لاين، فإن فرض رسوم جمركية هو في الأساس ضريبة يدفعها المواطن الأمريكي، وهو ما قد يؤدي إلى احتجاجات من قبل الشركات والمستهلكين الأمريكيين الذين سيتأثرون مباشرة بهذه القرارات.
توقيت هذه الأزمة لا يخلو من الحسابات السياسية. فترامب، الذي يخوض حملة انتخابية جديدة، يسعى إلى كسب أصوات الطبقة العاملة والمزارعين الأمريكيين، الذين يرون في الحواجز التجارية الأوروبية عائقًا أمام تصدير منتجاتهم.
وبالتالي، فإن هذه المواجهة قد تكون جزءًا من استراتيجيته لحشد التأييد الداخلي، حتى لو كان ذلك على حساب توتير العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين.
في المقابل، فإن أوروبا تواجه معضلة حقيقية. فإذا استسلمت للضغوط الأمريكية، فإن ذلك سيعني فتح الباب لمزيد من التنازلات مستقبلاً، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع هيبتها الاقتصادية. أما إذا دخلت في مواجهة تجارية مفتوحة، فقد تتعرض صناعاتها الكبرى لضربة قاسية في ظل هشاشة التعافي الاقتصادي بعد جائحة كورونا وأزمة الطاقة.
وفي ظل هذه المعطيات، يترقب العالم الأول من أفريل، الموعد النهائي الذي حدده ترامب لتنفيذ قراره، لمعرفة ما إذا كانت هذه الأزمة ستتجه نحو التصعيد الكامل أم أن الجهود الدبلوماسية ستتمكن من احتوائها.
لكن ما يبدو واضحًا حتى الآن، هو أن العلاقات الاقتصادية بين القوتين لم تعد كما كانت، وأن العالم قد يكون على أعتاب حرب تجارية جديدة، لا تقل خطورة عن تلك التي اندلعت بين واشنطن وبكين قبل سنوات.