القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز ... الجزائر جاهزة

الزراعة الذكية… جسر نحو الأمن الغذائي في الجزائر

تقارير سهم

أثرت ثلاثية جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وتغير المناخ على الأمن الغذائي العالمي وطالت تداعياتها عدة دول حول العالم وتسببت بأزمات اقتصادية وارتفاع الأسعار، وبالتوازي مع هذه الارتدادات، حرصت الجزائر على وضع خطط استباقية واستشرافية، ويأتي الأمن الغذائي على رأس الأولويات.

على رغم أن التقارير الدولية صنفت الجزائر من بين البلدان البعيدة عن مخاطر أزمة اقتصادية، إلا أن ذلك لم يمنع من اتخاذ إجراءات وتدابير للتقليل من صدمة الزيادات الكبيرة للمنتجات والمواد الأولية، وكان الاهتمام بالفلاحة أحد أهم السياسات التي لجأت إليها الجزائر.

سطرت الجزائر خارطة طريق أدرجت ضمن برنامج عمل الحكومة المستمد من برنامج رئيس الجمهورية، والتي تركز، بالأخص، على توظيف التقنيات والتكنولوجيا الحديثة، وتطوير الفلاحة الصحراوية وترقية الاقتصاد الأخضر واستعمال الطاقات المتجددة وكذا الاعتماد على الجامعة كشريك مهم في ترقية الابتكار والبحث.

أرقام ومعطيات

صنف المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس”, في تقريره الأخير سنة 2023 الجزائر من بين البلدان “الرائدة” عالميا في مجال ضمان الأمن الغذائي عن طريق إنتاجها الوطني.

وتضاف نتائج هذا التقرير، إلى تلك التي خلصت إليها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو” حيث صنفت الجزائر في المرتبة الأولى على المستويين العربي والإفريقي خلال ثلاث سنوات متتالية (2020 و2021 و2022) من حيث تجسيد أهداف التنمية المستدامة الخاصة بالأمم المتحدة في مجال الأمن الغذائي.

وتعكس هذه الأرقام والمعطيات الإرادة السياسية الحقيقية للجزائر الجديدة من خلال النظرة الاستشرافية لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الذي أدرج ضمن التزاماته ال 54 ضرورة وضع خطة استعجالية لتطوير القطاع الزراعي ومكننته بهدف ضمان الأمن الغذائي وتلبية الاحتياجات الوطنية والقضاء على التبعية الغذائية.

وفي ظل التحديات المتزايدة التي تواجه تحقيق الأمن الغذائي في الجزائر، تتسع ضرورة تبني تكنولوجيا حديثة ومفهوم جديد للزراعة يتيح التحكم الكامل في العوامل البيئية واستخدام الموارد بكفاءة عالية، وهو ما يطلق عليه بمصطلح “الزراعة الذكية”.

الزراعة الذكية

توصف هذه الزراعة بـ” الذكية” لأنها تستخدم التكنولوجيا الحديثة لترشيد استخدام الموارد الطبيعية ولاسيما المياه، وكذا الشأن بالنسبة إلى استخدام الأسمدة الكيميائية، ومن أهدافها الأساسية رفعَ الإنتاج بشكل مستدام والتكيفَ مع الظروف المناخية وخفضَ الغازات المتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري وتحسينَ الأمن الغذائي والمساهمةَ في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وتتجلى أهمّ التقنيّات التي تعتمدها الزراعة الرقميّة من حول العالَم في أجهزة الاستشعار عن بُعد وتكنولوجيا نظام التموضُع العالَميGPS ، واستخدام الطائرات من دون طيّار والروبوتات بالإضافة الى المركبات ذاتيّة القيادة.

ومن بين الأدوات الذكية أيضا، تطبيقات الهاتف التي تساعد على تشخيص أمراض النباتات وتحديد الأدوية الفعالة لمعالجتها، بعيدا عن اللجوء الممنهج لاستعمال المبيدات بشكل عشوائي، كما تساعد هذه التطبيقات في عملية السقي عن بعد بشكل منتظم، وتسمح بترشيد استهلاك الماء في ظل ظاهرة الجفاف وشح الأمطار ما يساهم في تحقيق الأمن المائي.

هذه الأجهزة المتقدّمة، ونُظُم الزراعة الدقيقة والروبوتات تُتيح للمُزارِع زراعةً أكثر ربحيّةً وكفاءةً وأمناً ومُراعاةً للبيئة، من ناحية أخرى مُقابل تراجُع الزراعة التقليديّة تدريجيّاً، والتي تُعَدُّ من أكبر مَصادر التلوّث، وخصوصاً انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي أَسهَمَ سلباً في تغيُّر المناخ على مستوى العالَم

الذكاء الفلاحي…المستقبل

تقرير لمجلّة “فوربس” الأميركيّة يرى أنّه يجب على كلّ العاملين في هذا المجال الفلاحي. سواء كانوا مُزارعين أم مُنتجي أغذية، الاستجابة للتحوّلات الرقميّة الجارية في الزراعة والأهم من ذلك توظيف التكنولوجيا بوصفها مَورداً مُستداماً وقابلاً للتطوير.

قدّر المنتدى الاقتصادي العالَمي أنّه إذا استَخدمت 15 الى 20% فقط من المَزارِع الموجودة في العالَم تقنيّات الزراعة الرقميّة. فإنّ نسبة إنتاج الغذاء في العالَم ستزيد بنحو 10 الى 15%. وستقلّ الانبعاثات الغازيّة الملوِّثة للبيئة بنسبة 10%. وسيتمّ توفير 20% من كميّة المياه المُستخدَمة في العمليّات الزراعيّة. متوقّعاً أن تكون هذه التقنيّات هي السائدة في القطاع الزراعي في المستقبل القريب.

توجه الجزائر

في نفس السياق، وحتى لا تبق الجزائر بمعزل عما يحدث في العالم. بات لزاما أن تتجه إلى تبني عدة سياسات تنموية زراعية. من خلال على سبيل المثال التحول من الزراعة التقليدية. التي تعتمد على تهيئة التربة لزرع البذور واستخدام الأسمدة واستعمال المبيدات لمكافحة الآفات والأمراض. الى زراعة ذكية ورقمية تساعد على إنتاج المزيد من الغذاء باستخدام موارد أقل، وجني أموال أكبر.

ونتيجة لذلك. توجه الجزائر نحو الزراعة الذكية يبدأ من خلال رقمنة برامج القطاع وإعطاء أهمية كبيرة للبحث العلمي المتخصص في مجال الزراعة. والتشجيع على الابتكار الزراعي من خلال حث الباحثين على ربط معظم الأراضي الزراعية بالتقنيات الرقمية الجديدة. ودعم أصحاب المشاريع المصغرة. وتقديم التسهيلات للشباب الراغب في الاستثمار الزراعي. وتعميم الطاقات المتجددة في الري واستخدام الطاقة الشمسية في الضخ بدلا من المحركات الزيتية.

التحدي الذي رفعته الجزائر على سبيل المثال بدأ بفتح مدرستين وطنيتين للزراعة، للمساهمة في ربط المشاريع الزراعية بالأبحاث العلمية الحديثة. والاعلان عن مشروع فلاحي جديد يتعلق بتعميم البيوت البلاستيكية الذكية بهدف زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية.

كما تم إنشاء “قطب فلاحي غذائي” و”بنك للبذور” واستحداث قريب لـ “بنك الجينات”. بالاضافة الى ذلك قرار تحويل المزارع النموذجية إلى مشتلة للثروة الحيوانية، والنباتية، كقاطرة للبحث وتطوير قطاع الفلاحة. ضمن عجلة تنمية الاقتصاد الوطني. وبناء على ذلك سخرت الجهود البحثية والموارد المالية، ما يجعل من تجربتها في هذا القطاع نموذجاً ملهماً.

إرادة سياسية

وتعبر كل هذه الخطوات عن إرادة سياسية وتوجه جديد في الجزائر الجديدة نحو استعمال التكنولوجيا المتطورة في النشاط الزراعي. الذي يبقى يعتمد في المجمل على وسائل تقليدية أبانت عن محدودية فعاليتها. مقارنة مع ما يجري في العديد من الدول المتطورة في هذا المجال.

وبين هذا وذاك. تبقى جل شروط ومقومات تحقيق الأمن الغذائي مجتمعة اليوم في الجزائر، وعلى رأسها الإرادة السياسية والعزم على كسب الرهان. اضافة الى توفر العنصر البشري القادر على رفع التحدي. شريطة أن تواكب الجزائر آخر ما توصلت إليه دول العالم في التكنولوجيا الزراعية. والتوجه نحو زراعة ذكية تعتمد أساسا على التقنيات الحديثة المدعومة بأنظمة الذكاء الاصطناعي. التي من شأنها زيادة وتحسين الكفاءة الإنتاجية للمحاصيل.