شهدت الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات، في السنوات الأخيرة، مسارا تصاعديا، مدعوما بإرادة سياسية واضحة لتنويع الاقتصاد الوطني وتحريره من التبعية الريعية. وبينما كانت الأرقام تتحسّن تدريجيا منذ 2020، جاءت مؤشرات 2025 لتؤكد أن الجزائر بصدد تسجيل طفرة حقيقية في صادراتها غير النفطية، خاصة مع بروز عدد من المنتجات الجزائرية حققت طلبا قياسيا في الأسواق الدولية خلال النصف الأول من العام.
وفي تصريح لافت، كشف رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين، طارق بولمرقة، عن تسجيل “إقبال غير مسبوق” على هذه المنتجات، وفقا لتقييم أولي أجرته الجمعية حول أداء التصدير في الستة أشهر الأولى من سنة 2025. وبيّن أن هذا الزخم قد يُفضي إلى تجاوز عتبة 7 مليارات دولار من الصادرات غير النفطية بنهاية العام، وهو السقف الذي لامسته الجزائر في 2024.
ويرجع هذا النجاح، بحسب بولمرقة، إلى ثلاثة عوامل أساسية: أولا، تحسّن تنافسية المنتجات الجزائرية من حيث الجودة والأسعار؛ ثانيا، سياسة الانفتاح التجاري الجديدة التي شجّعت المشاركة الواسعة في المعارض والملتقيات الدولية؛ وثالثا، التوجيهات العليا لتكثيف حضور المتعاملين الجزائريين في الأسواق الخارجية، خصوصا خلال صيف 2025.
السيراميك: صدارة على رفوف تونس وليبيا
أثبت السيراميك الجزائري حضوره القوي في السوقين التونسي والليبي، حيث سُجّل طلب مضاعف مقارنة بالفترات السابقة. ويعود ذلك إلى الجودة العالية والتصميم العصري، بالإضافة إلى الأسعار التنافسية التي جعلت المنتج الجزائري بديلا مفضلا أمام نظيره الأوروبي والصيني. كما لعب القرب الجغرافي وتسهيل النقل البري دورا كبيرا في تعزيز التوريد، ما يمنح الجزائر فرصة لترسيخ مكانتها كمزود رئيسي لمواد البناء في شمال إفريقيا.
العجلات: بصمة “إيريس” على طرقات إفريقيا وأوروبا
برزت العجلات الجزائرية، خصوصا تلك التي تصنعها شركة “إيريس”، كمنافس حقيقي في أسواق متنوعة تشمل إفريقيا، أوروبا، وحتى بعض الأسواق الأمريكية. ويعزى هذا النجاح إلى التزام المصنع بالمواصفات التقنية الدولية، وقدرته على التكيّف مع المعايير المختلفة لكل سوق، مع الحفاظ على كلفة إنتاج منخفضة نسبيا. كما ساهم تسويق “إيريس” الذكي، المعتمد على الشراكات اللوجستية وخدمة ما بعد البيع، في تعزيز ثقة المستوردين.
التجهيزات الكهرومنزلية: صناعة جزائرية تدخل بيوت إفريقيا
تشهد التجهيزات الكهرومنزلية الجزائرية – من ثلاجات، وغسالات، ومكيفات – إقبالا متزايدا من السوق الإفريقية، خاصة بفضل سمعة علامتين بارزتين هما “كوندور” و”إيني”. ويتمثل سر النجاح في تقديم منتجات ذات جودة مقبولة بأسعار مدروسة، ما جعلها تحظى بمكانة مميزة في أسواق تبحث عن التوازن بين الكفاءة والسعر. كما أن تبسيط إجراءات التصدير والدعم الحكومي للوجستيات لعبا دورا داعما في تسريع وتيرة التوسع.
الخضر والفواكه: الجزائر تطرق أبواب الخليج
شكّل التصدير المنتظم للخضر والفواكه نحو السعودية وقطر تطورا نوعيا، بالنظر إلى معايير الجودة الصارمة التي تفرضها أسواق الخليج. غير أن المنتج الجزائري نجح في كسب ثقة المستهلك الخليجي، بفضل نضارة المحاصيل، واحترام شروط التبريد والتغليف، خصوصا لمحاصيل مثل الطماطم، البرتقال، والبطاطا. كما ساعدت العلاقات الثنائية الجيدة، وفتح ممرات تجارية جديدة، في تأمين انسيابية التصدير وتقليص أوقات الشحن.
المنتجات الغذائية المصنّعة: من مطابخ الجزائر إلى مائدة إفريقيا
أضحت المنتجات الغذائية الجزائرية، من مصبرات، وحلويات، ومعلبات، حاضرة بقوة في أسواق تونس والدول الإفريقية الأخرى. ويكمن سر الجاذبية في النكهات الأصيلة التي تعكس الموروث الغذائي المحلي، إضافة إلى الأسعار المناسبة والعلامات التجارية التي بدأت تكتسب هوية خارج الحدود. وتُعتبر هذه الفئة من المنتجات بوابة مثالية لتعزيز ما يُعرف بـ”القوة الناعمة” الاقتصادية للجزائر، خصوصا في الفضاء الإفريقي الفرنكوفوني.
زيت الزيتون: الذهب الأخضر الجزائري يغزو أوروبا
يحظى زيت الزيتون الجزائري بإقبال متزايد من المستوردين الأوروبيين، الذين يُقدّرون نكهته القوية ونقائه العالي، خصوصا في دول مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا. وقد ساعد حصول عدد من العلامات الجزائرية على شهادات الجودة العالمية على فتح أبواب التوزيع في المتاجر الكبرى. كما ساهم دعم وزارة الفلاحة لمصدّري زيت الزيتون عبر برامج الترويج والمرافقة في تثبيت موطئ قدم للمنتج في سوق شديد التنافسية.
التمور: من واحات الجزائر إلى موائد العالم
لا تزال التمور الجزائرية، وعلى رأسها دقلة نور، تحتل مرتبة مرموقة في الأسواق الأوروبية، نظرا لمذاقها المميز وشكلها الجذاب. ومع تطور تقنيات التغليف والتخزين، أصبح بالإمكان تصدير كميات أكبر مع الحفاظ على الجودة. وقد تحوّلت التمور إلى منتج “استراتيجي ناعم”، تمثل الجزائر من خلاله صورة الأصالة والتفوق الزراعي، وهو ما يدعم مكانتها في أسواق الاستهلاك الرفيع.