تسعى الجزائر، ضمن استراتيجيتها الجديدة لتعزيز الأمن الغذائي وتقليص التبعية للأسواق الخارجية، إلى إعادة بعث زراعة دوار الشمس كمحصول زيتي استراتيجي يضمن إنتاجًا محليًا 100% للزيوت النباتية.
هذا التوجه، المدعوم بخطط حكومية وتوسيع المساحات المزروعة، يهدف إلى تلبية الطلب المحلي، إنعاش مصانع التحويل، خلق فرص عمل جديدة، وتقليص فاتورة الاستيراد التي تثقل كاهل الميزان التجاري، مع فتح آفاق مستقبلية للتصدير نحو الأسواق الإقليمية والدولية.
برنامج وطني لتعزيز الزراعات الزيتية وتحقيق الأمن الغذائي
وضعت الجزائر زراعة دوار الشمس في صلب استراتيجيتها الوطنية لتنويع الإنتاج الزراعي وضمان الأمن الغذائي، باعتباره أحد أهم المحاصيل الزيتية القادرة على تلبية جزء كبير من احتياجات السوق المحلية من الزيوت النباتية.
وقد شرعت وزارة الفلاحة في تنفيذ برنامج واسع لزيادة المساحات المزروعة بهذا المحصول، مستهدفة ولايات الشمال والهضاب العليا وحتى بعض مناطق الجنوب، لما يوفره من مردود اقتصادي مرتفع وإمكانية زراعته في أراضٍ متنوعة.
إقرأ أيضا: برنامج المحاصيل الزيتية يعطي ثماره… انطلاق حصاد دوار الشمس في مختلف ربوع الوطن
البرنامج الوطني يراهن على رفع الإنتاج خلال المواسم المقبلة إلى مستويات تُمكّن من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وهو ما يشكل خطوة أساسية نحو تقليص الواردات التي تستنزف مئات ملايين الدولارات سنويًا.
كما يسعى إلى دمج هذا المحصول ضمن الدورة الزراعية للفلاحين، بما يضمن استدامة الإنتاج وتحسين دخلهم، خاصة مع الدعم التقني الذي توفره المعاهد المختصة في الزراعات الواسعة والزيتية.
ويؤكد خبراء القطاع أن نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب مرافقة متواصلة للمزارعين، وتوفير البذور المعتمدة، وتطوير آليات الحصاد والتخزين، ما سيعزز من إنتاجية الهكتار ويجعل الجزائر قادرة على تلبية الطلب المحلي من الزيوت النباتية بجودة عالية وبأسعار تنافسية.
إنتاج محلي 100% ينعش مصانع الزيوت ويرفع القيمة المضافة
ويشكل إنتاج دوار الشمس محليًا خطوة حاسمة نحو إنعاش مصانع الزيوت الجزائرية، التي كانت تعتمد لسنوات طويلة على استيراد المادة الخام من الخارج. فمع دخول المحصول إلى وحدات التحويل الوطنية، باتت المصانع قادرة على تشغيل خطوط إنتاجها بالاعتماد على بذور جزائرية خالصة، مما يقلل التكاليف ويرفع من القيمة المضافة محليًا.
وتعد مصانع الزيوت الكبرى، على غرار وحدات “سيفيتال” ومؤسسات التحويل الجهوية، المستفيد الأكبر من هذه القفزة، إذ أصبح بإمكانها إنتاج زيوت نباتية عالية الجودة بمواد أولية محلية، وهو ما يعزز الثقة في المنتوج الوطني ويقلل من تقلبات الأسعار الناتجة عن استيراد البذور والزيوت الخام.
كما أن إدماج دوار الشمس في سلاسل الإنتاج الوطني يفتح آفاقًا لتطوير صناعات تحويلية أخرى مرتبطة به، مثل إنتاج الأعلاف الحيوانية من بقايا العصر، ما يخلق نشاطًا اقتصاديا متكاملاً ويولّد فرص عمل جديدة في مختلف ولايات الوطن، من الحقول إلى المصانع.
انخفاض واردات الزيوت… مكاسب مباشرة لميزان التجارة الجزائري
ويمثل تطوير زراعة دوار الشمس في الجزائر رافعة اقتصادية مهمة لتقليص فاتورة استيراد الزيوت النباتية، التي تكلف الخزينة مئات ملايين الدولارات سنويًا. فبمجرد تحقيق إنتاج محلي يغطي الطلب الداخلي، يمكن للجزائر خفض اعتمادها على الأسواق الخارجية بشكل ملحوظ، وهو ما سينعكس مباشرة على تحسين الميزان التجاري وتقليص العجز.
إقرأ أيضا: زيت المائدة…هل تحقق الجزائر اكتفاءها الذاتي وتتجه نحو التصدير؟
تشير التقديرات الأولية إلى أن زيادة المساحات المزروعة واستغلال الأراضي الصالحة في مختلف الولايات قد يتيح توفير كميات كافية من بذور دوار الشمس لتلبية الاستهلاك الوطني. هذا التحول سيؤدي إلى تقليل الضغط على العملة الصعبة الموجهة للاستيراد، ويوفر موارد مالية يمكن إعادة استثمارها في مشاريع فلاحية وصناعية جديدة.
كما أن تعزيز الإنتاج المحلي من الزيوت النباتية يساهم في استقرار الأسعار بالسوق الداخلية، ويجعلها أقل عرضة للتقلبات العالمية، خاصة في أوقات الأزمات أو التوترات الجيوسياسية التي تؤثر على إمدادات السلع الأساسية. وبذلك، يتحول دوار الشمس من مجرد محصول زراعي إلى عنصر استراتيجي في السياسة الاقتصادية الوطنية.
الجزائر تخطط لتصدير فائض إنتاج دوار الشمس نحو الأسواق الإقليمية
ومع اقتراب الجزائر من تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الزيوت النباتية بفضل توسع زراعة دوار الشمس، بدأت التطلعات تتجه نحو استكشاف فرص التصدير إلى الأسواق الخارجية، خصوصًا في إفريقيا والشرق الأوسط التي تشهد طلبًا متزايدًا على هذا النوع من الزيوت. فالمردود المرتفع للمحصول، وجودته التي تتوافق مع المعايير الدولية، يمنحان الجزائر موقعًا تنافسيًا يمكن استثماره في المدى المتوسط.
البرنامج الوطني للزراعات الزيتية لا يقتصر على تغطية الحاجيات الداخلية، إذ يهدف أيضًا إلى خلق فائض إنتاجي يفتح أبواب التصدير، ما يعزز إيرادات البلاد من العملة الصعبة ويدعم مكانتها كمورد إقليمي للزيوت النباتية. هذه الخطوة تتطلب استثمارات إضافية في البنية التحتية للتحويل والتخزين، فضلاً عن وضع استراتيجيات تسويق خارجية فعالة.
ويرى خبراء الفلاحة أن نجاح الجزائر في الانتقال من مرحلة الاكتفاء الذاتي إلى التصدير سيشكل نقلة نوعية في القطاع الزراعي، ويجعل من دوار الشمس رمزًا لنهضة اقتصادية قائمة على استغلال الموارد المحلية بأقصى إمكانياتها، بما يخدم الأمن الغذائي الوطني ويعزز الحضور الجزائري في الأسواق العالمية.